تفسير قوله تعالى: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة)
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج: ١٥] أي: يعتقد أن الله لا ينصر دينه، ولا ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن الله لا ينصر المؤمنين، ويظن: أن الله طالما أعطاني المال إذاً أنا الذي أستحق النصر وأنتم لا تستحقون، فالذي يظن هذا الشيء ماذا يعمل؟ قال الله: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: ١٥] إذا كان يستطيع أن يصعد إلى السماء ويمنع نصر الله فليفعل، ويذهب لينظر هل هذا الشيء ينفع؟! ﴿فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج: ١٥] هل يذهب هذا الكيد أنه يصعد إلى السماء بطائرة أو بصاروخ، ويمنع نصر الله عن المؤمنين.
وقالوا أيضاً: فليمدد بسبب إلى السماء طالما أنه مغتاظ من أن الله ينصر المؤمنين وينشر دينه سبحانه، اربط حبلاً في سقفك، واخنق به نفسك، وانزل ميتاً على الأرض، وانظر هل هذا الذي تعمله سيذهب غيظك أم لا يذهب غيظك؟! والمعنى: موتوا بغيظكم، واقتلوا أنفسكم، فلن ينصر الله سبحانه إلا دينه وأهل الحق مهما فعل الكافرون.
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ﴾ [الحج: ١٥] الهاء هنا عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو عائدة على دين الله سبحانه، أو على المؤمنين، وهذا وعد من الله عز وجل أن ينصر هذا الدين، ولكن النصر له أسباب، فربنا سبحانه تبارك وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]، إن الله ينصر هذا الدين بأسباب قال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠]، أعدوا للكفار ما استطعتم من قوة، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧]، ويقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
إذاً: المؤمن يتوكل على الله، والله يقول: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣]، ويأمرهم أن يأخذوا بالأسباب، قال تعالى: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧]، وقال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠].
إذاً: عليك أن تأخذ بأسباب النصر بأن تتقوى، وتكون جيشاً للدفاع عن هذا الدين، حتى تستطيع أن ترد على هؤلاء الكفار، فيكون القلب فيه الإيمان والتوكل على الله سبحانه، والعقيدة الصحيحة أن ينصر دين الله، وليس أن ينصر الأرض والوطن والعروبة، ولا أن ينصر إفريقيا أو غيرها، وإنما ينصر دين الله بالأخذ بالأسباب، فكيف ينصر دين الله من هو جاهل بدين الله سبحانه وتعالى؟! كيف ينصر دين الله من هو مشرك بالله يستغيث بالأولياء والصالحين ويترك ربه سبحانه تبارك وتعالى؟! وإذا كان المؤمن على عقيدة صحيحة أخذ بأسباب النصر الدينية والدنيوية، وهنا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، قال تعالى: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] فمن ترك نصرة دين الله سبحانه، ولم يأخذ بهذه الأسباب التي ذكرها الله؛ فلا يستحق أن ينصره الله.
نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه، وأن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والمشركين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.