تفسير قوله تعالى: (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً)
ثم قال تعالى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت: ٣٣] وهنا في (جاءت رسلنا) القراءات السابقة.
قال تعالى: (سيء بهم) أي: ساءه هذا الأمر، أو سُيء به، ولبيان المبني للمجهول قرأها نافع وأبو جعفر وابن عامر والكسائي ورويس عن يعقوب: (سُيء بهم).
قال تعالى: (وضاق بهم ذرعاً) إذاً: هنا ساءه أمر هؤلاء ولم يعرف أنهم ملائكة، ووجدهم شباناً حساناً، وطالما أن هناك شباناً موجودين فسيأتي قوم لوط يفعلون بهم الفاحشة، فكان أن (سيء بهم).
والإنسان الذي هو قليل الحيلة يضيق ذرعاً ولا يعرف ماذا سيعمل مع هؤلاء، ولوط ليس عنده جيش، وليس عنده أبناء ذكور، إنما كان معه بنات عليه الصلاة والسلام، فكيف يدفع قومه عن هؤلاء؟ والله عز وجل يرينا هذه الصورة التي فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وكيف أن الأمر كان شديداً عليه لدرجة أنه يقول: ﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧]، ويقول لقومه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠].
ليرينا الله عز وجل كيف أنه إذا ضاق الأمر جاء الفرج من عنده سبحانه وتعالى وحده.
فهذا لوط كان وحده في بيته يدفع هؤلاء القوم، وذهبت امرأته إلى القوم وأخبرتهم أنه يوجد شبان حسان عند لوط عليه الصلاة والسلام، فجاء القوم يتدافعون في الطريق، فإذا به يغلق بابه في وجوههم فيدفعون عليه الباب، هو يدفع من الداخل يحمي أضيافه وهم من الخارج يدفعونه يريدون كسر الباب على لوط ومن معه، فضاق بهم ذرعاً وقال المقولتين السابقتين.
فلما ضاق به الأمر وقال هذه الكلمة إذا بالملائكة تنطق وتقول للوط: ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] أي: لا تخف، لست أنت الذي ستحمينا نحن الذين سندافع عنك بإذن الله رب العالمين، ولن يستطيعوا الوصول إليك.
وإذا بالملائكة ترمي هؤلاء القوم بالحصباء في وجوههم فيعميهم الله عز وجل وهم على باب لوط، فيرجعون وهم يتوعدون لوطاً أنهم راجعون إليه عليه الصلاة والسلام، والملائكة تطمئنه ويقولون له: ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣].
وفي ذلك قراءتان: هذه قراءة الجمهور.
وقراءة ابن كثير وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب.
(مُنْجُوك).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] يعني: وبناتك.
ثم قال: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] أي: امرأتك التي وشت بأسرارك إلى هؤلاء الكفار، والتي لم تؤمن بك ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] أي: من المتبقين في العذاب.


الصفحة التالية
Icon