مراهنة الصديق المشركين على انتصار الروم قبل تحريم الرهان
لما سمع المشركون قوله تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٢ - ٣]، استهزءوا بذلك، وذهبوا إلى أبي بكر الصديق يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: صاحبك يقول: إن الروم ستغلب، فإذا بـ أبي بكر يبادر بالتصديق رضي الله عنه، وقال: أراهن أنه سيحدث ما قال الله سبحانه، في وقت لم يكن الرهان محرماً، فـ أبو بكر الصديق حسب أنهم سيغلبون في بضع سنين كما قال الله سبحانه، فاتفقا على ذلك، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم النبي ﷺ أن البضع ما بين الثلاث والتسع، وأمره أن يزيد في المدة ويزيد في الرهان، وفعلاً ذهب وزاد في المدة، ووقع ما قاله الله سبحانه وتعالى، وانتصر الروم على الفرس في الوقت الذي انتصر فيه المسلمون في يوم بدر على المشركين! وكان نزول هذه الآيات في مكة قبل هجرة المسلمين ثم هاجر المسلمون، والذي راهن أبا بكر هو أبي بن خلف قال أبي بن خلف: إن غلبت الروم الفرس فأنا أدفع لك كذا، فكان الاتفاق على خمس من البعير أو نحو ذلك، ولما أراد أبو بكر الصديق أن يتوجه مع النبي ﷺ إلى المدينة، جعل الرهان مع أحد أبنائه، وحدث بعد ذلك أن غلبت الروم الفرس فإذا بـ أبي بكر يكسب هذا المال الذي راهن به ويتصدق بهذا المال، ويحرم الله عز وجل المراهنة بعد ذلك.
ففي هذه الآية معجزة من المعجزات وهو الإخبار بالغيب ثم وقوعه كما قال الله سبحانه وتعالى، فلم يكن في حساب الناس أن الروم ستقوم دولتها مرة أخرى إلا بعد مائة سنة، ولكن الله سبحانه وتعالى حقق هذا الشيء المستحيل عند البشر ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٤]، فكان ذلك بعد سبع سنوات مما ذكره الله عز وجل، بعد أن هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، فمن معجزات القرآن الإخبار بالغيب، إذ تحقق على النحو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon