تفسير قوله تعالى: (وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون)
قال الله تعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الروم: ١٨]، هذه جملة معترضة بين الأمر بالتسبيح والصلاة في المساء والصباح وبين الأمر بما في العشي والظهر، فقال: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ [الروم: ١٨] أي: له الحمد أن أمركم بالصلاة، وله الحمد أن خلقكم سبحانه، ودلكم على دينه، وله الحمد أن دلكم على عبادته؛ لتكونوا من أهل جنته سبحانه تبارك وتعالى.
قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ﴾ [الروم: ١٨] أي: يحمده أهل السموات، والحمد: هو الثناء الحسن الجميل على الله سبحانه تبارك وتعالى.
وقوله: ﴿وَالأَرْضِ﴾ [الروم: ١٨] أي: ويحمده أهل الأرض، بل قد قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤]، فكونوا ضمن من يسبحونه، فلو قورن البشر بمخلوقات الله عز وجل لكانوا شيئاً قليلاً بجوار ما خلق الله في السموات والأرض من حيوان وأجناس كثيرة جداً، فما من حيوان أو طير أو حشرات أو غيرها إلا ويسبح بحمده تعالى، ولذلك قال الله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ١٨] أي: فليس كل الناس كذلك، ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج: ١٨]، وهذه المجموعة التي حقت عليها العذاب، والتي أبت إلا الهوى والبعد عن الله سبحانه تبارك وتعالى إذا قورنت بهذا الخلق العظيم الذي يسجد لله سبحانه فكأنها لا شيء، فالله سبحانه تبارك وتعالى ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤]، ولذلك أخبرنا أنه محمود في السموات، محمود في الأرض.
ثم بعد هذه الجملة المعترضة التي دلت على حمده سبحانه، وأنه ينبغي على العبد إذا ذكر الله سبحانه أن يسبحه، وأن يحمده سبحانه ويقول: الحمد لله سبحان الله وخاصة في الصلاة، قال: ﴿وَعَشِيًّا﴾ [الروم: ١٨]، أي: في وقت العشي، وهو من الزوال إلى غروب الشمس، ويكون فيه صلاة الظهر وصلاة العصر.
وقال: ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] أي: حين تدخلون في الظهيرة وهو وقت دلوك الشمس أو وقت صلاة الظهر.