من مظاهر قدرة الله في الخلق
قال تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩].
ما ذكرته الآية يشاهده الإنسان، فالدجاجة عندما تبيض بيضة، فهذه البيضة تراها جماداً أمامك لا حياة فيها إذ إنها لا تتحرك ولا تعمل، فالدجاجة حية خرج منها شيء أنت تراه ميتاً، وإن كان كل شيء أوجد الله عز وجل فيه حياة من جنس معين، والبيضة قد يكون فيها شيء من الحياة أودعها الله عز وجل فيها إن كانت جماداً أمامك بحسب ما تنظر إليها، فإذا بالله عز وجل يحرك شيئاً بداخلها، فإذا لقحت هذه البيضة صار بداخلها فرخاً نما وخرج منها، فرأيته أمامك حياً وقد خرج من شيء كان جماداً، فتتعجب من قدرة الله سبحانه تبارك وتعالى! أيضاً: شعر الإنسان هو جماد، ولكن فيه حياة معينة كحياة النبات، فينمو الشعر بهذه الحياة النباتية، وإن كنا نحن نقول: إن هذا الشيء جامد لا يتحرك، إذاً: هنا الإنسان حي، والشعر الذي فيه ميت، وإن كانت له حياة من جنس خاص.
وكذلك الحال في الإنسان، يلتقي الرجل والمرأة فتصير المرأة حاملاً من مني الرجل الذي دخل فيها، وكان نطفة، والنطفة ماء سائل يستقذره الإنسان، وإذا وضع أمامه في الإناء فينظر إليه أنه سائل شيء ميت ليس فيه حياة، مع أن فيه حياةً من نوع خاص، ففيه حيوانات منوية لا تراها بعينك، وتراها بالمجهر وهي تجري بداخل النطفة، وهذه النطفة التي خرجت من الإنسان إذا وضعت في زجاجة نراها شيئاً ميتاً جماداً، فإذا دخلت في بطن المرأة ينميها الله، وتحتوي النطفة الواحدة على الملايين من الحيوانات المنوية التي لا تراها أنت، وهذه الملايين قضى الله وقدر أن يفلح واحد منها فقط، وهذه الملايين في مساحة ثلاثة سنتيمتر تقريباً، فيفلح حيوان منوي واحد فيلقح بويضة المرأة، وأيضاً كانت البويضة في المرأة جسماً ميتاً، ولكن فيها حياة من نوع خاص، وهي حياة نباتية تنمو شيئاً فشيئاً، فاجتمع المنوي والبويضة فتحولا إلى كتلة لحم في يوم من الأيام وهي مرحلة العلقة، وبعد أيام صارت مضغة، وبعدها تتخلق هذه المضغة، ويرسل الله عز وجل الملك إليها، فإذا بهذا الملك ينفخ فيها الروح بأمر الله سبحانه، فتظهر فيها حياة بعد مضي أربعة أشهر على المرأة، وإذا بالجنين في بطن أمه تظهر له حركة وينمو حتى يخرجه الله سبحانه، فإن شاء أنزله حياً، وإن شاء أنزله ميتاً، فأخرج الله الحي من الميت وأخرج الميت من الحي سبحانه تبارك وتعالى.
وقد يحصل أن المرأة تموت فيذهبون بها إلى المستشفى، وبداخلها جنين حي، فيشقون بطنها ويخرجون الجنين حياً، وتكون الأم ميتة.
وأعجب من ذلك ما حصل في روسيا قبل سنة أو سنتين، وهو أن أماً ماتت موتاً إكلينيكياً -كما يقولون- الأجهزة على جسدها ويتحرك القلب والرئة، وهي كما هي، فشقوا بطنها وأخرجوا الجنين حياً، والمرأة محكوم عليها أنها ميتة، إذا أخذت الأجهزة منها تموت، وإذا تركوا الأجهزة كما هي عليه إذا بالطفل بجوار المرأة يرضع من ثديها على هذه الحالة مدة حتى اطمأنوا أنه سيعيش، فأخذوا الأجهزة والمرأة ميتة، ثم دفنت والطفل حي! فسبحان من قال: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ١٩].
وقس على ذلك ما تراه من أشياء أمامك.
وكذلك يحيي الله عز وجل الأرض بعد موتها، فتراها مجدبة قاحلة فينزل المطر من السماء يغيث الله عز وجل به العباد، ويخرج لهم النبات من الأرض، فإذا بالحياة النباتية خرجت من هذه الأرض الميتة الجرداء.
وكذلك البذرة ترميها في الأرض، فتخرج قمحاً حياً حياة نباتية، ويخرج الله هذا النبات الحي من هذه البذرة التي كانت ميتة.
والنواة التي تلقيها في الأرض وهي نواة ميتة في نظرك أنت، فإذا بالله عز وجل يحييها في الأرض وتخرج منها الشجرة والنخلة العظيمة، ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الروم: ١٩]، فتنمو الشجرة، ثم يظهر البلح فوقها، فتأخذ البلح وتراه أمامك جماداً ليس فيها حياة، ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الروم: ١٩]، فإذا ألقيت النواة في الأرض، إذا بالله يخلق فيها الحياة وتطلع شجرة مرة أخرى، كذلك يقلب الله الليل والنهار، ويريك عظيم آياته أفلا تتدبر وتعقل؟!