تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلقكم من تراب)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: ٢٠ - ٢٢].
إن آيات الله عز وجل في الكون كثيرة عظيمة جليلة، يرينا بعضها في كتابه سبحانه تبارك وتعالى، ولم يذكر لنا كل الآيات التي في الكون، فإنها من الكثرة لا تحصى، كما أنك لو تتبعت آيات الله عز وجل لوجدت له في كل شيء آية تدل عليه، ففي خلق الإنسان آية، بل في كل عضو من أعضائه آية، وفي كل جارحة من جوارحه آية من آيات الله سبحانه تبارك وتعالى، كما أن خلقه لكل المخلوقات التي لا يحصيها الإنسان آية من آيات رب العالمين سبحانه.
وفي الآيات السابقة يذكر لنا بعض هذه الآيات الكثيرة، و (من) في فواتح الآيات تبعيضية، أي: سيذكر البعض من آيات الله ليدلنا على غيرها، ولعل الإنسان يتفكر ويعتبر بهذه الآيات.
فذكر في هذه السورة آيات متتالية بدأها بقوله: (ومن آياته) (ومن آياته) (ومن آياته).
فكررها ست مرات ليستبين العبد قدر ربه وعظمته.
قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠]، أول آية من آيات رب العالمين سبحانه ذكرنا بها هي أن الإنسان كان تراباً جامداً لا حياة فيه، فإذا به يصير إنساناً حياً عاقلاً، يملأ الأرض حركة وإعماراً وعملاً، فمن آيات الله أن خلق هذا الإنسان من هذا التراب الذي يمشي عليه، وجعله متحركاً خلاف أصله.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠] أي: يبثكم الله سبحانه ويذرؤكم في أرجاء هذه المعمورة، فأنتم تنتشرون على الأرض بالتناسل، فالله سبحانه تبارك وتعالى هو الذي يخلق من الإنسان إنساناً، فيخلق الأولاد والأحفاد إلى أن يأتي على الناس يوم المعاد.


الصفحة التالية
Icon