معنى قوله تعالى: (ولباسهم فيها حرير)
قال سبحانه تبارك وتعالى: ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣] لباس أهل الجنة فيها الحرير، وهو أرفع ما يتحلى به الإنسان في الدنيا، وهو نتاج دودة القز، هذا هو الحرير الطبيعي في الدنيا، أما الحرير الصناعي فلا يحرم، وإنما التحريم للرجال في الحرير الطبيعي، وقد جعله الله عز وجل لأهل الجنة، وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من يلبس الحرير في الدنيا أو الذهب في الدنيا أو يشرب الخمر في الدنيا يحرم من ذلك يوم القيامة)، والعلماء اختلفوا في معنى يحرم عليه يوم القيامة، هل هو بمعنى أنه يدخل النار؟ لاشك أنه يدخل النار إذا مات على ذلك ولم يتب منه، فيدخله الله عز وجل النار، فإذا دخل الجنة هل يصير محروماً من ذلك؟ هذا محتمل، وقد رجح الإمام القرطبي في التفسير أنه يحرم منه فيدخل النار ويعذب، فإذا خرج من النار ودخل الجنة يحرم من ذلك أيضاً! وهذا يجعل المؤمن يخاف من هذه المحرمات، مثل أن يلبس خاتم ذهب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في إصبعه!)، وفي الحديث الذي رواه الحاكم وابن عساكر من حديث أبي هريرة وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب فيها في الآخرة)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة) يعني الذي يريد أن يقلد في الدنيا أهل الجنة يحرم من ذلك يوم القيامة سواء بمعنى أنه يدخل النار فيحرم منها أو إذا دخل الجنة حرمه الله عز وجل من ذلك على خلاف بين العلماء في حرمانه منها إذا دخل الجنة، فالبعض يقول: من دخل الجنة لا يحرم من شيء، والبعض يقول: الجنة درجات، فرجل في درجة عالية، والثاني في درجة دونه، ولا يتمنى ما عند غيره، ويرى أنه في مكان عظيم، ولكنه محروم مما هو أعلى منه، والله عز وجل يجعله يرضى بذلك، وكذلك الذي كان يلبس الحرير لا يشتهيه في الجنة، فهو محروم منه، ولكن غيره يراه أنه قد حرم مما يتمتعون به في الجنة، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon