نعيم أهل الجنة
أهل الجنة يمتعون كما في قوله سبحانه: ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣]، ومن أين تجيء هذه الثياب؟ في الجنة أشجار تنبت لهم الثياب، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبري في تفسيره وابن حبان وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة أن النبي ﷺ قال: (طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها)، فربنا بكرمه وبفضله لا يحوجهم إلى أن كل واحد يفصل له الثياب، بل تخرج لهم الثياب من شجرة في الجنة مسيرة فروعها وظلها مائة عام، فينتقي ما يشاء ويلبس ما يريد، وفضل الله عظيم سبحانه تبارك وتعالى.
وجاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟!)، وكل واحد يظن أنه قد أعطي ما لم يعط أحد من أهل الجنة، وهذا من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى، ففي الدنيا كل إنسان يعطيه الله عز وجل شيئاً يكون في قلبه النظر والتشوف إلى غيره سواء حسده أو لم يحسده، فيرى غيره أفضل منه مكانة، ويتمنى مكانة ذلك، ولكن أهل الجنة كل رضي بمنزلته، فيرون من هو أعظم منهم فيغبطونه على ما هو فيه من نعيم عظيم ولكن يرضون بما هم فيه من النعيم.
(فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال سبحانه: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً) فهذا أعظم ما يعطاه أهل الجنة، فقد يعطى الإنسان نعيماً ولكن يخاف أن الله يغضب عليه، ويخاف أن يحرم من ذلك، ولكن إذا أمنه الله وأعطاه الأمان وأنه لن يغضب عليه أبداً تمت النعمة.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً) فذلك قول الله عز وجل: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، وقال: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢ - ٧٣].