رأي ابن حزم في الغناء والرد عليه
وابن حزم هو الوحيد من العلماء الذي أباح ذلك، فقد أباح الموسيقى، وألف رسالة في الملاهي، وقال: لم يصح شيء من ذلك عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وناقض نفسه في كتابه المحلى، فقد ذكر أن ذلك صح عن ابن مسعود وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم زعم بعد ذلك أن هذا قول صحابي، وقوله ليس بحجة، وإنما الحجة فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتغافل رحمه الله عن أن المفسر إذا ساق سبب النزول فهو قطعي الدخول في الآية، فإذا منع الله عز وجل شيئاً وقال أحد أصحاب النبي ﷺ أن هذه الآية نزلت في كذا، وصح ذلك عنه، فكأنه يبين الشيء القطعي الذي يدخل تحت هذه الآية.
فقد أقسم ابن مسعود أن هذه الآية نزلت في الغناء والمعازف والملاهي، فعلى ذلك قول ابن حزم: إن هذا قول ابن مسعود وقول ابن عباس خطأ، فإن هذا ليس من قولهما.
وإنما قالا: إن الآية نزلت في هذا، ويكفي أن الأئمة الأربعة: أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد مجمعون على المنع من المعازف، وعلى تحريمها.
وقد جاء أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب.
وقال مجاهد مثل ذلك، وزاد: وإن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء، قال: وإلى مثله من الباطل.
وكذلك جاء عن الحسن البصري أنه لما ذكر هذه الآية قال: المعازف والغناء.
وقال القاسم بن محمد: الغناء باطل، والباطل في النار.
وقال ابن القاسم: سألت مالكاً، فقال: قال الله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾ [يونس: ٣٢].
أفحق هو؟! قال: لا.
فواضح كلام الإمام مالك رحمه الله أنه منع من ذلك.
وقد ترجم الإمام البخاري باب: كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: ٦].
فقوله: (إذا شغل عن طاعة الله عز وجل) قصد به قول الله سبحانه: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٦].
وإن كان اللهو بمعنى الغناء إلا أن العبرة بعموم اللفظ، فكل لهو باطل، وكل شيء يصد عن ذكر الله وعن سبيل الله فهو داخل تحت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [لقمان: ٦].