تفسير قوله تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)
قال تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ١١] أي: هذا الذي أراكم الله سبحانه هو خلقه البديع العظيم، ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١].
والسورة مكية، والسور المكية تهتم بجانب التوحيد والعقيدة، وأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، كما تهتم بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية.
وتوحيد الربوبية: هو أنه لا رب إلا الله، ومقتضى ربوبيته أنه يخلق ويرزق، وينفع، ويضر، ويعطي، ويمنع، ويفعل ما يشاء سبحانه، والإله مقتضى ألوهيته أن يعبد سبحانه، لذلك يقرن بين الاثنين ليبين أن الرب هو وحده الذي يستحق أن يكون إلهاً معبوداً.
والمشركون لم يتكلموا في أمر الربوبية، فلم ينكروا ربوبية الله سبحانه وتعالى، ولم يقولوا: نحن نخلق، ونحن نرزق؛ بل إنهم نسبوا الخلق والرزق لله سبحانه.
لكن إذا قيل لهم من تعبدون؟ ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ [الشعراء: ٧١]، نعبد أوثاناً صنعناها لتقربنا إلى الله، فالله عز وجل يقول: هذه الأوثان والأصنام هل خلقت؟! هل رزقت؟! هل خلقت السموات والأرض؟! أو أخرجت لكم غذاء أو ماء؟ فإذا كانت لا تفعل فلم تعبدوها؟ ولم تتوجهون إليها بالعبادة وتزعموا أنها آلهة؟! قال سبحانه: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ١١] أي: هذا الخلق الذي خلقه هو الرب وهو الله سبحانه المستحق للتأليه، المستحق للعبادة.
﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١] والذين من دون الله هي هذه الآلهة التي تعبدونها، أي شيء خلقت؟ ثم أضرب عن هذا وقال: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: ١١] فقد ظلموا أنفسهم، وظلموا غيرهم، فاعتقدوا غير ما هو حق، عرفوا الحق فأعرضوا عنه، وإذا بهم يعطون صفات الله عز وجل لغير الله سبحانه، فظلموا وبهتوا، ووقعوا في هذا الباطل الشنيع العظيم، فوصفهم بأنه ظالمون، والظلم هنا هو الظلم الأكبر وهو: الكفر بالله سبحانه وتعالى.
والظلم: هو أن يضع الإنسان الشيء في غير مكانه، فإذا بهم بدلاً من أن يصرفوا العبادة لصاحبها صرفوها لغير صاحبها، وقد ضرب يحيى بن زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مثلاً للناس في أمر الشرك بالله سبحانه وتعالى: كمثل رجل بنى بيتاً وجعل حانوتاً واشترى عبداً بماله، وقال للعبد: هذا بيتي وهذا عملي، اعمل هنا وضع هنا، أي: اعمل في دكاني، وهات الأجر وضعه هنا في البيت، والبيت والدكان والعبد ملك لصاحبه، فإذا بهذا العبد يعمل في هذا المحل، ويعطي المال لإنسان آخر، فهل هناك أحد يرضى أن يعمل عبده في ماله ويعطي الربح لغير صاحبه؟ الإنسان لا يرضى بذلك، ويقول: هذا ظلم، فكيف إذا كان الأمر لكم قلتم: هذا ظلم؟ وإذا كان لله جعلتموه من الحق، وجعلتموه من العدل؟ فالله هو الذي خلقكم سبحانه، وسخر لكم ما في الأرض، وأنعم عليكم بنعمه، فإذا بكم تتوجهون إلى غيره بالعبادة، كعبد السوء هذا.
فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ﴾ [لقمان: ١١] وإذا تاه الإنسان وابتعد عن الحق فقد وقع في الضلال.
وضل الإنسان بمعنى: تاه، فهؤلاء تائهون متحيرون، ابتعدوا عن ربهم سبحانه وتعالى، ولم يعرفوا الحق، أو عرفوا فأنكروا، فكانوا في ضلال مبين، ومعنى (مبين): بين واضح.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.