بيان أن أعظم الظلم الشرك بالله سبحانه
قال تعالى: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] فبين أن الشرك ظلم عظيم، وأعظم الظلم الذي يظلم الإنسان به نفسه هو أن يقع في الشرك بالله تبارك وتعالى.
ولما نزل قول الله سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] فهم منها أصحاب النبي ﷺ أنهم الذين لم يخلطوا إيمانهم بنوع من الظلم، فخافوا؛ لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، فخاف الصحابة من الظلم؛ لأن مآل الظالم إلى النار، سواء ظلم نفسه أو غيره ظلماً أصغر أو أكبر، فالظلم ظلمان: ظلم أصغر، وظلم أكبر.
فذهبوا إلى النبي ﷺ وقد شق عليهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله! أينا لا يظلم نفسه؟ أي: أن الآية التي في سورة الأنعام والتي قال الله سبحانه فيها: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢] معناها: أن الأمن والأمان يوم القيامة للمؤمنين الذين لم يظلموا أنفسهم، فشق ذلك على الصحابة وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]).
فالإنسان قد يظلم نفسه، وقد يتجاوز ويعفو الله سبحانه وتعالى عنه.
وظلم الإنسان لنفسه يكون بالوقوع في صغائر الذنوب، أو في كبائرها، ومنها الشرك بالله سبحانه.
فالصحابة اختلط عليهم الأمر، ولم يفهموا المقصود بقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] فظنوا أنه أي ظلم يقعون فيه سواء كان صغيراً أو كبيراً أو شركاً بالله، وسواء كان ظلماً للنفس أو ظلماً للغير فبين النبي ﷺ أن الآية ليس المقصود منها الظلم الأصغر، وهو الوقوع في صغائر الذنوب، وإنما المقصود منها الظلم الأكبر، وهو الوقوع في الشرك بالله، فوضح الآية بالآية الأخرى فقال: (إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]).