التحذير من الشرك بالله
يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات وصية لقمان لابنه، ووعظه له، فقال: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فأول وصية يجب على الوالد أن يوصي بها ولده هي: أن يوحد الله سبحانه وتعالى، وألا يشرك به شيئاً، وأن يعلمه التوحيد والعقيدة.
إن الإنسان الذي في قلبه عقيدة سليمة، بعيدة عن الشرك، فهو جدير بأن يبارك الله عز وجل له في عمله، وأن يلهمه الصواب، وأن يعينه في أمره.
أما الذي يشرك بالله سبحانه فهو جدير ألا يعينه؛ لأنه أشرك بالله، فالله يتخلى عنه ويتركه؛ لأنه يتوجه إلى غير الله، والله أغنى الشركاء عن الشرك سبحانه وتعالى، فإذا أشرك العبد معه إلهاً غيره فدعا غير الله، وتوكل على غيره، وطلب المعونة من غيره تركه الله عز وجل مع هذا الغير، ثم لا ينفعه هذا الذي يدعوه من دون الله.
إن الإنسان المؤمن يتعلم التوكل على الله سبحانه، وأن يوجه عبادته لله، فلا يدعو إلا الله، ولا يشرك بالله سبحانه وتعالى شيئاً، لا في ألوهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، بل يكون على التوحيد حتى يلقى الله سبحانه تبارك وتعالى.
فأول وصية يوصي بها لقمان ابنه ألا يشرك بالله، وهي وصية الأنبياء والمرسلين للخلق أجمعين، قال الله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: ١٤]، ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩].
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، فالإنسان الذي يقع في الشرك بالله سبحانه يظلم نفسه، ويضع العبادة في غير محلها، وفي غير موضعها، فبدلاً من أن يعطي لله حقه يعطيه لغيره سبحانه وتعالى، فهذا هو أعظم الظلم.
وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، قال الله عنهم: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]، فيقسمون هذه القسمة العجيبة، ويتصدقون ببعض الأنعام ويجعلونها لله، وبعضها للأصنام وللأوثان، فإذا حصل اختلاط بين حق الله وحق غيره بزعمهم يقولون: اجعلوه كله لغير الله، فحتى القسمة الفاسدة التي قسموها يجورون بها، فإذا قيل لهم: لماذا تجعلونها لغير الله؟ قالوا: الله غني عن ذلك.
فهم يعلمون أن الله غني، ولكنهم يعبدون غيره ويجعلون له شركاء سبحانه وتعالى، فعقولهم فارغة، وأقوالهم بعيدة عن الصواب.
وكان أهل الجاهلية يدعون في رخائهم غير الله سبحانه وتعالى، يصنعون الأصنام ويدعونها ويعبدونها، فإذا جاء وقت الشدة والبلاء تركوها وتوجهوا إلى الله يدعونه وحده لا شريك له.
ففي وقت الشدة يدعون الله، ويعتقدون أنه لا ينفع إلا هو، والسؤال هو: ما الذي جعله لا ينفع في وقت الرخاء حتى يدعون غيره سبحانه وتعالى؟! إنها قسمة عجيبة تدل على عقول لا تفكر إلا فيما تشتهيه وتهواه، فيعبدون الأصنام ويقولون: تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، وفي وقت الضر والشدة يتركون الأوثان والأصنام ويدعون الله عز وجل! وهذه التفرقة لا دليل عليها، ولكن من ابتعد عن الله سبحانه فالشيطان يضله ويلعب به.
إن أول شيء يتعلمه الإنسان المؤمن هو توحيد الله سبحانه، وألا يشرك به شيئاً، فلا يدعو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا تكون ثقته إلا في ربه سبحانه وتعالى، وإذا نذر كان نذره لله سبحانه، فيعلم أن الذي ينفع ويضر هو الله سبحانه، وأن الذي يعز ويذل هو الله سبحانه وتعالى، فيكون قد ركن إلى ركن عظيم، إلى ربه سبحانه وتعالى، فإذا ركن إلى غير الله استحق أن يتركه الله، وألا يعينه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
فأول ما يتعلمه المؤمن ويوصي به أهله هو توحيد الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله عز وجل هذه الوصية عن يعقوب (إسرائيل) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في وقت وفاته أنه أوصى أولاده بوصية إبراهيم لبنيه، كما قال الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢]، أي: على الإسلام، وهو الاستسلام لله، وتوحيده سبحانه، ثم قال في وصية يعقوب: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [البقرة: ١٣٣]، إن العبادة التي أمر الله عز وجل عباده بها، والتي وصى بها الأنبياء أقوالهم هي أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً.