سنة الله في الابتلاء
إذاً: فأي إنسان يقول: أنا مؤمن صابر على أمر الله ولا يريد أن يأتيه شيء من قضاء الله عز وجل وقدره، ولا يريد أن يأتيه شيء من البلاء، فهو لم يفهم هذا الدين العظيم الذي جاء من عند الله سبحانه، ولم يفهم دين رسل الله، فإن الإسلام أن تسلم نفسك وقلبك وتوجه وجهك إلى الله سبحانه، وتسأل الله سبحانه أن يعينك على الآخرة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة بين يدي الله عز وجل، ثم ترى مصيرك بعد ذلك إما إلى الجنة وإما إلى النار، فالإنسان المؤمن إذا قام يصلي تذكر هذا الموقف العظيم، فيهيء نفسه للدار الآخرة، وللقيام بين يدي الله عز وجل في هذا اليوم العظيم.
ولذلك لم تكن نصيحة لقمان لابنه بادخار الدنيا، أو جمع المال في الدنيا، والعمل لهذه الدنيا، وإنما قال له: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ [لقمان: ١٣]، ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [لقمان: ١٦ - ١٧].
وإذا فعلت ذلك فإن الناس سوف يعادونك؛ لأن الناس لا يحبون من ينصحهم ويقول لهم: هذا حرام، وهذا لا يجوز، فإذا ابتليت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكن حليماً وحكيماً وعلى علم، وكن لطيفاً مع الخلق، وادعهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحتى وإن كنت على ذلك فلن يرضى عنك الخلق حتى تقول لهم في أخطائهم وفيما هم عليه: أنتم على صواب، فهم لا يحبون النصيحة، وإن تحرص على الناس أن يكونوا مؤمنين فلن تقدر أن تحولهم عما هم فيه إلا أن يعينك الله عز وجل على ذلك، قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣]، وقال: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
إذاً: لا بد من الصبر، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠] فاصبر حتى على نفسك وصابرها واضغط عليها إن تململت، حتى تقوم لله عز وجل في هذه الدنيا بأمر دينه، قال تعالى: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] فاربط نفسك على طريق الله سبحانه وتعالى مثابراً مصابراً على هذه الطاعة، واتق الله ما استطعت، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وقال هنا: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧]، أي: فهذا الأمر الذي يخبرك الله عز وجل عنه من الصبر هو من عزائم الشريعة، ومن الواجبات في هذه الشريعة العظيمة، يقول ابن عباس: إن من حقيقة الإيمان: الصبر على المكاره قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].
ويقول ابن جريج: أي: مما عزمه الله وأمر به، والمعنى واحد، أي: صبرك على أمر دين الله وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا مما شدد الله عز وجل فيه، وألزمك به، فاصبر وصابر ورابط، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر بكل صورة ووسيلة، حتى يفتح الله عز وجل قلوب الخلق على يديك، فاصبر لأمر الله فإن ذلك من عزم الأمور، أي: مما أمر الله به أمر عزيمة وشدد فيه، فادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تقل: قد دعوت مرة وانتهى الأمر، وإنما اصبر على ذلك مرةً ومرتين وثلاثاً؛ لعل الله سبحانه يهدي على يديك أقواماً، ولا تدري متى يفتح الله عز وجل لك، وقد جاء عن النبي ﷺ -وهو الأسوة والقدوة في دعوته وصبره- أنه قال: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس)، وعلى كم تطلع الشمس من إنسان ومن حيوان ومن ملك لله عز وجل! فخير لك من أن تأخذ هذا الملك العظيم الذي تطلع عليه الشمس ويكون ملكاً لك أن يهدي الله عز وجل على يديك رجلاً واحداً.


الصفحة التالية
Icon