تفسير قوله تعالى: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك)
يقول لقمان لابنه: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] أي: لا يكن مشيك اختيالاً، وليكن مشيك فيه قصد وسكينة، وليس معناه: أنك لا تسرع، فهناك فرق بين إنسان مستعجل في حاجة من حوائجه، وبين إنسان يقفز على الأرض، يسرع فرحاً بنفسه معجباً، فلا بد أن تقصد في مشيك كعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وقد كانت مشية النبي ﷺ بحسب حاجته، فكان هادئاً في مشيته، ولكن كان يسرع كالذي ينزل من على جبل.
قال تعالى: (واغضض من صوتك) أي: عود نفسك على ذلك، فلا يكن صوتك عالياً؛ لأن الصوت العالي صوت الحيوان، فالحيوان في الغابة إذا رفع صوته يغيظ غيره، فالحمار ينهق، والأسد يزأر، والنمر يصرخ لكي ينبه غيره أنه موجود في المكان، والإنسان ليس حيواناً فلماذا يرفع صوته؟! فلا بد للإنسان أن يغض من صوته فيتلكم بصوت خفيف سواء كان رجلاً أو امرأة، فاغضض صوتك فإنك لا تخاطب أصم، وارفع صوتك بالقدر الذي تسمع به غيرك.
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان لقمان: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] إن الصوت المنكر الفاحش هو صوت الحمير، فالإنسان يغض من صوته سواء كان في درس علمي أو خطبة أو توضيح أو كلام مع الناس على القدر الذي يسمعك به فقط ليس أكثر من ذلك.
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] فقد جعل الله عز وجل صوت الحمار أقبح صوت، ومثله الذي يرفع صوته في الناس، وهنا لعل هذا التنبيه الذي يذكره الله لأن العرب في الجاهلية اعتادوا على رفع الأصوات ظناً منهم أن رفع الصوت من التغلب على الغير، فجاء الإسلام وعلمنا التعقل؛ لأن بالعقل تغلب غيرك وليس بعلو صوتك، قيل: إن العرب كانوا يعتبرون من هو أشد صوتاً فيهم أعز نفس فيهم، ومن هو أخفض صوتاً يكون أذل رجل فيهم، يقول شاعرهم: جهير الكلام جهير العطاس جهير الرواء جهير النعم ويعدو على الأين عد الظليم ويعلو الرجال بخلق عمم والظليم: الضبي سريع الجري، والأين: هو الإنسان الذي أصابه الإعياء، ومعناه: أنه يلحق الذي أصابه الإعياء ويجري إليه ليعينه، ويعلو الرجال بخلق عمم، أي: أنه أعلى من الرجال في الخلق، طويل عريض أعلى من غيره، هذه هي الأشياء التي يكون الإنسان عزيزاً بها عندهم، لكن الإسلام علمنا أن الإنسان قد تحتقر منظره ويكون عند الله أعظم من جبل أحد، فإن الصحابة لما رأوا عبد الله بن مسعود وهو على شجرة يجني ثمارها ضحكوا، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون؟ قالوا: نعجب من دقة ساقيه) فرجلاه رفيعتان جداً، نضحك عليه لذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لهي عند الله أعظم من جبل أحد) أي: هاتان الرجلان اللتان لا تعجباكم وتضحكون منها هي عند الله أوزن وأثقل من جبل أحد في ميزانه رضي الله عنه.
نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ديننا وأن يفقهنا فيه، وأن يرزقنا العلم والحلم وحسن الخلق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.