معنى قوله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)
إذا كانت نعم الله عز وجل على العباد بهذه الصورة العظيمة، فلم يجادل الإنسان بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟ ولم يكثر من الجدل فيضيع عمره في المناقشة وفي الهراء، ولا يريد أن يشكر نعمة الله سبحانه وتعالى عليه؟ قال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠]، أي: يجادل في أمر الله سبحانه، كما قالوا عن النبي ﷺ أنه مجنون، وساحر، وكذاب، وهم أدرى الناس بكذبهم وأنه ﷺ ليس بمجنون ولا ساحر ولا كذاب، ولكنهم يفترون على الله ورسوله الكذب، ويجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، أي: بغير آثار من العلم، وبغير كتاب نزل من عند الله سبحانه وتعالى، وبغير علم عقلي، ففي عقولهم غباء، فهي غائبة عن الحق ولذلك يجادلون بالباطل.
وقوله: ﴿وَلا هُدًى﴾ [لقمان: ٢٠]، أي: ولا هداية، بل هم في ضلال.
وقوله: ﴿وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠] أي: كتاب منزل من عند رب العالمين سبحانه.
هؤلاء الذين يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، إذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله، وهذا العلم الذي جاء من عند الله، كان
﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [لقمان: ٢١]، وكأن الآباء هم أعلم الناس بكل شيء، وكأنهم كانوا على هدى، فهم يتبعونهم فيما هم فيه من الباطل، فاتبعوا آباءهم ليس لكونهم على هدى وإنما لعصبية جاهلية، فكما صنع الآباء صنعوا بغير نظر إلى الدليل ولا إلى البرهان، فيعبدون الأصنام والأحجار لأن آباءهم كانوا يفعلون ذلك، فهم يقلدونهم بغير تفكير ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير، وعندما يناقشون أمراً من الأمور فكأنهم بلا عقول.


الصفحة التالية
Icon