تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله)
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [لقمان: ٢١]، أي: إن الذي كان يعبده آباؤنا سوف نعبده نحن، فيعبدون الأصنام والأحجار، وإذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هذه الأحجار والأصنام لا تنفعكم، إن الذي ينفعكم هو الله الذي في السماء، فلماذا تعبدون هذه الأحجار؟ قالوا: إنها تقربنا إلى الله زلفى إنهم لا يعقلون ولا يفكرون، ومهما أوتوا من علم دنيوي من تجارة، أو صناعة أو غيرها، فهم في غفلة عن الخالق سبحانه وتعالى، وهذا حال الكفار، يعبدون غير الله سبحانه، ويهرفون بما لا يعرفون.
إن أحد الأطباء سافر إلى اليابان لتحضير الدكتوراه في المخ والأعصاب، عندما تكلم عن اليابانيين وعن المستوى العلمي والراقي الذي وصلوا إليه، وأنهم فاقوا أهل الدنيا في العلم وجراحة المخ والأعصاب وغيرها من العلوم، هذا الدكتور الذي تعلم هناك يحكي عن الأساتذة اليابانيين أنه عندما يأتي وقت العبادة -مع هذا الرقي العظيم في العلم الدنيوي- يذهبون إلى المعبد ليعبدوا بوذا، وهو تمثال كبير من حجر، وعندما يدخلون المعبد يدقون الجرس حتى يصحوا بوذا من النوم، فهو راقد كسلان، فإذا قام من النوم عبدوه!! إن هؤلاء لا عقول لهم، وقد طبع الله على قلوبهم وختم على عقولهم وأبصارهم، فلا يفهمون شيئاً، حتى إن الإله الذي يعبدونه يحتاج إلى من يوقظه من النوم! قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، فالله سبحانه لا نوم يأخذه ولا حتى غفلة يسيرة، فهو سبحانه كما يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٤١]، فلو نام الإله كما يزعمون لزالت السموات والأرض، فهو الذي يقوم عليها ويمسكها سبحانه وتعالى، ومع ذلك يعبدون آلهة من دونه، ويتعجبون من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، أي: كيف تكون الآلهة هذه إلهاً واحداً فقط؟ وهذا من جهلهم وغيهم، وعدم معرفتهم.
يقولون: إن الذي ينفع ويضر هو إله واحد في السماء، ومع ذلك فإنهم يعبدون آلهة كثيرة، وعندما يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الخالق سبحانه، وهو الذي يستحق العبادة، يتعجبون ويصفقون بأيديهم وأرجلهم، ويقولون: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، ومما يدل على أن هؤلاء لا عقول لهم أن أبا جهل وغيره عندما يدعون يقولون: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢]، بمعنى: يا رب! إذا كان هذا الذي جاء به محمد حقاً فأنزل علينا حجارة من السماء! مع أن الإنسان العاقل يقول: يا رب! إذا كان هذا حقاً فاهدني إليه، ويقولون كذلك: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦]، أي: أنهم يستعجلون إنزال العذاب قبل يوم القيامة، ولذلك يقول الله سبحانه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [لقمان: ٢١]، وفي الآية الأخرى: ﴿مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [البقرة: ١٧٠]، أيي: ما وجدنا عليه آباءنا، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان: ٢١]، الشيطان يدعوهم إلى نار الجحيم الملتهبة، فهم قد أغمضوا أعينهم وساروا إلى نار السعير بغير هدى ولا بصيرة ولا تعقل، ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان: ٢١]، أي: هلا تفكروا في ذلك؟ فالنبي ﷺ يدعوهم إلى رحمة رب العالمين سبحانه، والشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير، وهم وراء الشيطان حتى يلجوا معه النار.


الصفحة التالية
Icon