تفسير قوله تعالى: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ)
قال الله: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا﴾ [لقمان: ٢٤]، المسلم حين ينظر إلى الكفار وقد تمكنوا ويرى المسلمين في ضعف وقلة، والأعداء في كثرة وفي قوة وفي غناء حينما يرى ذلك يحزن، فالله عز وجل يقول لا تحزن؛ فإن هذا متاع الحياة الدنيا ومتاع الحياة الدنيا قليل (نمتعهم قليلاً) وأين سيذهبون منا (ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) إلى عذاب النار وبئس المصير، إلى عذاب شديد، فليس عذاباً سهلا هيناً يزول عنهم؛ بل إن عذابهم لا يزول، وهو عذاب غليظ يغلظه الله سبحانه وتعالى على الكفار.
وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الله عز وجل يغلظ جلود الكفار) فجلد الإنسان في الدنيا له سمك معين، وجلد الكافر في نار جهم أضعاف مضاعفة فهو سميك جداً، ومعلوم أن أشد الإحساس في الإنسان يكون في جلده لما فيه من أعصاب كثيرة وفي عظمه أيضاً، فيكثف الله عز وجل ويغلظ جلودهم حتى تستوعب العذاب الشديد في نار جهنم والعياذ بالله! وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ضرس الكافر كجبل أحد) إذاً: رأسه كيف سيكون؟ وجسده كيف سيكون؟ والمقصود هو أن ينال كل جزء من جسده عذاباً شديداً، والمؤمن يكون على خلق آدم ثلاثين ذراعاً في السماء، ولكن فرق بين المؤمنين وبين هؤلاء الكفار الذين يجعلهم الله سبحانه وتعالى على هيئة عظيمة ليذلهم فيرون أنهم مهما كبرت أجسادهم فإن النار تستوعبهم وتقول: هل من مزيد، ويغلظ عليهم العذاب في نار جنهم، ولا حياة كريمة في النار، ولا موت يريح هؤلاء الكفار.
قال الله سبحانه: (نمتعهم!) أي: في الدنيا (قليلاً)، ومهما عمروا في الدنيا فلابد أن يرجعوا إلى الله عز وجل ﴿(ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤]، (نضطرهم) أي: نلجئهم إلى عذاب غليظ، فيدفعون إلى نار جهنم دفعاً ولا يقدرون على الهرب مع أحجامهم الضخمة يوم القيامة، فالكافر الذي يكون في الدنيا شيئاً عظيماً أمام الناس لا يزن عند الله جناح بعوضة في ميزان الحسنات والسيئات.


الصفحة التالية
Icon