تفسير قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)
قال الله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥].
قوله: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ﴾ [السجدة: ٥] التدبير: هو القضاء والقدر، أي: يقدر سبحانه فيدبر ملكوته في السماوات وفي الأرض، ويأمر بالأمر فتنزل الملائكة من السماء بأمر الله سبحانه، إلى الأرض، فهم ينزلون في يوم واحد من السماء إلى الأرض، هذا اليوم لو أن مخلوقاً من المخلوقات بقدرته كمخلوق أراد أن يقطع هذه المسافة بين السماء والأرض، بما آتاه الله عز وجل من قوة من دواب ومن صواريخ ومن طائرات وغير ذلك لسار فيها ألف سنة لا يقدر أن يقطع هذه المسافة، والإنسان مستيقن من ذلك، ويعلم أن بينه وبين بعض النجوم التي في السماء مقدار خمسة آلاف سنة ضوئية.
السنة الضوئية مسافة يقيس بها الإنسان، عندما يتعذر أن يقيس بالكيلومتر وأن يقيس بالميل فإنه يقيس ذلك بالسنة الضوئية، يقول: السنة ثلاثمائة وستون يوماً، واليوم بمقدار أربعة وعشرين ساعة، والساعة فيها ستون دقيقة، والدقيقة فيها ستون ثانية، والثانية يقطع فيها الضوء مسافة ثلاثمائة ألف كيلو متراً في الثانية الواحدة، فإذا كان في الثانية الواحدة يقطع فيها ثلاثمائة ألف كيلو متراً، فكم يقطع في الساعة؟ وكم يقطع في اليوم؟ وكم يقطع في السنة؟ فالإنسان لا يستطيع ولا يقدر أن يقطع هذه المسافة الطويلة؛ لأن المقدار الذي بين نجم من النجوم وبين الأرض طويل جداً فكيف بالسماء التي فوق ذلك؟ وكيف بالسماء السابعة؟ ومع ذلك فأمر الله ينزل من السماء، ينزل به جبريل أو ميكائيل أو إسرافيل أو ملك من الملائكة في يوم واحد، ولو أنكم قطعتم هذه المسافة لما أدركتموها ولا في ألف سنة بما آتاكم الله عز وجل من آلات ومن قدرات، قال الله عز وجل: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: ٣٣] يعني: بأمر الله سبحانه وتعالى، فلا تقدرون أن تتجاوزوا قدركم ولا ما آتاكم الله عز وجل من أشياء، وهو يدبر أمره وينزل هذا الأمر الذي دبره وأحكمه وقضاه وقدره سبحانه وتعالى من السماء إلى الأرض.
ثم تعرج الملائكة إلى الله عز وجل فيخبرونه: تم كذا وتم كذا وعملنا كذا ورأينا عبادك وأتيناهم وهم يصلون، كل هذا والله أعلم به سبحانه وتعالى، وتأتي الملائكة لتشهد للخلق، لتكون شاهدة لهم أو عليهم يوم القيامة، فيقضون أمر الله في الأرض ويرتفعون إلى السماء في يوم واحد، وبين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام، ولو أن الإنسان مشاها أو جراها كان بهذا المقدار، ولكن الملائكة في نصف يوم تنزل ونصف يوم تصعد إلى السماء، وتبيت فيكم ملائكة بالليل في وقت العصر ثم إذا كانوا في الفجر جاءت ملائكة أخرى من السماء وصعدت هذه التي باتت فيكم لتخبر ربها وهو أعلم سبحانه وتعالى، فيقول لمن أتوه: (كيف تركتم عبادي؟ يقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون) أي: نزلنا في صلاة العصر وهم يصلون وتركناهم الفجر وهم يصلون، فتشهد الملائكة عند الله.
وقوله: ((ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)) أي: تعرج إليه الملائكة أو من نزلوا بهذا الأمر من السماء إلى الأرض ((فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) يعني: من سنينكم؛ لأن السنة عند الله غير السنة التي عند الإنسان، اليوم الذي عند الإنسان مقدر بطلوع الشمس وغروبها، أما اليوم الذي عند الله سبحانه فهو بألف سنة من هذه السنين ومن هذه الأيام التي تعدونها عندكم، فالله سبحانه يرينا كيف أنه دبر ملكوته سبحانه، وكيف أن الكون عظيم جداً، فكيف بخالق الكون وعظمته، فاعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon