ذكر الروح في كتاب الله
وقد ذكر الله عز وجل الروح في مواضع من كتابه، منها قوله سبحانه في سورة الحجر ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٦ - ٢٩].
فأبو البشر آدم خلقه الله من صلصال، ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى، قال: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩] أي من روح عندي خلقتها وشرفتها وأكرمتها وطهرتها وجعلت فيها من رحمتي وأودعتها في هذا الإنسان المخلوق.
كذلك في سورة ص ذكر الله عز وجل مثل ذلك، قال الله عز وجل: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص: ٧١ - ٧٢] فإذا جاء ذكر المسيح مرة أنه روح الله سبحانه فقد جاء ذكر آدم مرات أنه نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى.
كذلك كلمة الروح في القرآن تأتي بمعنى جبريل الملك، يقول الله سبحانه: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ١٠٢]، فجبريل روح من الله، خلقها الله سبحانه وتعالى وقدسها فأضاف هنا والإضافة هي من إضافة الموصوف إلى صفته، يقول الله في جبريل عليه السلام ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ﴾ [النحل: ١٠٢] أي الروح المقدسة المطهرة التي طهرها الله، وكل الملائكة قد طهرهم الله سبحانه عن المعاصي وعن الأدناس وعن الأكل والشرب وغير ذلك، فالملائكة خلقهم الله سبحانه وتعالى كما يشاء، خلقهم من نور، وسمى جبريل بروح القدس، وفي موضع آخر في سورة الشعراء يقول سبحانه: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٣] وجبريل عليه السلام روح الله سبحانه وتعالى أي روح خلقها الله وشرفها وطهرها وقدسها، فهذا جبريل روح من عند الله سبحانه، وهو مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
كذلك يسمي ربنا سبحانه الوحي الذي نزل من السماء روحاً من الله سبحانه؛ لأن به حياة الخلق، فقد كانوا ميتين في الضلالة، بعيدين عن ربهم، منغمسين في الكفر كالأموات، فأحياهم الله عز وجل بهذا الوحي العظيم الذي نزل من السماء، قال سبحانه: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [غافر: ١٤ - ١٥] الروح هنا هو الوحي المنزل بأمر الله عز وجل على من يشاء من عباده سبحانه.
كذلك ذكر جبريل في سورة النبأ فقال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ [النبأ: ٣٨] فسماه ووصفه بأنه روح، والملائكة كذلك يقومون لرب العالمين سبحانه وهم مخلوقون خلقهم الله لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً.
والمرة الوحيدة التي ذكر المسيح فيها على نبينا وعليه الصلاة والسلام بأنه روح من الله في سورة النساء فقال سبحانه ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] فذكر أنه روح من الله سبحانه وتعالى.
ولما ذكر آدم قال: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩] ولما ذكر المسيح قال: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١] أي من عنده سبحانه وتعالى، فإذا احتجوا بأن المسيح روح من الله نقول: التعبير بروحي أخص من التعبير بروح منه أي من عنده سبحانه وتعالى، فهذه معناها أوضح في أنه روح من الأرواح أوجدها الله سبحانه وتعالى وخلقها فجعل منها المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ثم في الآية بعدها من سورة النساء يقول الله سبحانه: ﴿لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٧٢] هذا الروح الذي خلقه الله عز وجل لن يستكبر أن يكون عبداً لله سبحانه وتعالى، فليس المسيح كما يقولون: هو الله أو هو ابن الله أو هو ثالث ثلاثة! بل هو عبد لله والآيات ذكرت ذلك، فالذي يحتج بالآية الأولى يحتج عليه بالآية الثانية التي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها أن المسيح عبد لله سبحانه وتعالى.
كذلك ذكر الله سبحانه كلمة روح فقال عن المقربين يوم القيامة ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ﴾ [الواقعة: ٨٨ - ٨٩] على قراءة، و (رُوح) على قراءة ثانية، روح أي: استرواح وراحة عند الله سبحانه من شقاء الدنيا وتعبها، فروح وريحان أي رحمة من الله سبحانه وتعالى، فالروح يعبر بها عن رحمة رب العالمين سبحانه، ويعبر بها عن الوحي الذي ينزل من السماء، ويعبر بها عن الملائكة وعن جبريل عليه السلام، ويعبر بها عن شيء خفي وسر من أسرار الله عز وجل خلقه سبحانه ولم يطلع أحداً عليه، قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] يعني: لن تصلوا أبداً إلى معرفة حقيقة الروح ولا كنه هذه الروح التي خلقها الله سبحانه وتعالى.