من معاني النسيان
والنسيان يطلق على معان منها: أولاً: عدم التذكر، وإذا لم يتذكر الإنسان شيئاً فهو معذور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
ثانياً: التغافل عن الشيء، فالإنسان الذي يعرف الكتاب، ويعرف السنة لكنه تارك لهما ومتغافل عنهما وهذا من النسيان المتعمد، وهو بمعنى: الترك، ومنه قول الله عز وجل في آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥]، فقد عهد الله عز وجل إلى آدم فترك العهد، قال الله: ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥].
ولو فرضنا أن آدم نسي فقد ذكره الشيطان بقوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠]، فالشيطان ذكر آدم أن الله نهاه عن الشجرة، لكنه أتاه من باب آخر وهو سبب النهي فقال له: لو أكلت منها ستكون خالداً، فإذا بآدم ينسى عهد الله سبحانه وتعالى فكان فيه شيء من التعمد؛ لأن الشيطان ذكره أن الله نهاه عن أكل الشجرة لكن أتى له من باب آخر وهو أنه إذا أكل منها سيكون خالداً، فإذا بآدم يأكل مما نهى الله عز وجل عنه ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] أي: على العهد الذي أخذ عليه من الله سبحانه وتعالى.
فكأن النسيان الذي يجازى عليه الإنسان هو ما فيه تعمد للإتيان بالمعصية وتغافل عن عقوبة الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه لا ينسى شيئاً، ولكن للمشاكلة اللفظية، والمقصود: عاملناكم معاملة المنسيين أي: تركتم طاعتنا فتركناكم واستحققتم العقوبة بذلك ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ أي: أدخلناكم النار وتركناكم فيها كالمنسيين، ينادون الله سبحانه وتعالى وهو يسمعهم ويراهم لكن لا يجيبهم فإذا أجابهم أجابهم بقوله: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨].
إذاً الله سبحانه لا ينسى أحداً، وإنما يعاملهم وهم في النار معاملة المنسيين ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [السجدة: ١٤]، أي: تغافلتم عن هذا اليوم فتركتم العمل فاستحققتم أن تعاملوا معاملة المنسيين وأن تتركوا في النار ولا يؤبه لدعائكم.
﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ [السجدة: ١٤] الخلود إما خلود في الجنة، وإما خلود في النار، والخلود هو أن يمكث فيها أبد الآبدين إلى ما لا نهاية، وأهل الجنة خالدون في الجنة لا يخرجون منها أبداً، ولا تفنى، وأهل النار خالدون فيها لا يخرجون منها، فقد أصحبوا أهلها وأصحابها والعياذ بالله، قال: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٤].
إذاً: العذاب لن يخفف عن أهل النار المشركين، أما الموحدون من المسلمين الذين يدخلون النار بسبب ذنوبهم فهم يمكثون فيها ما شاء الله سبحانه، ولكن ينفعهم توحيدهم يوماً من الدهر، وهم إنما استحقوا دخول النار والخلود فيها بسبب بعض الذنوب والكبائر كالذي يقتل نفسه أو يقتل غيره أو يقتل ولده فهذا خالد في نار جهنم.
وقد جاء عن النبي ﷺ في قاتل نفسه قوله: (من شرب سماً فتحساه فسمه في يده في نار جهنم يتحساه خالداً مخلداً فيها أبداً)، فهذا الذي انتحر وقتل نفسه دخل النار خالداً مخلداً فيها أبداً، هذا إذا كان من الموحدين ولم يمت على الكفر بالله سبحانه، ولم يشرك بالله سبحانه وتعالى، ولكن خلود هذا دون خلود الكافر، فالكافر خلوده لا ينتهي، وهذا خلوده بمعنى: طول العذاب في النار أمداً طويلاً وأبداً عظيماً، وبعد ذلك تدركه رحمة رب العالمين يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه.
وقد قال الله في الذي يقتل نفساً مؤمنة ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣]، وإن قتله لكونه مؤمناً فهو كافر مستحق للخلود في النار؛ لأنه قتل المسلم لكونه مسلماً، أما إذا قتله لدنيا فهذا خالد في النار إلى ما شاء الله من أمد بعيد، ثم بعد ذلك تدركه رحمة رب العالمين، لقوله: لا إله إلا الله، فتنفعه يوماً من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه، ففرق بين خلود أهل الكفر والشرك، وبين خلود أهل التوحيد.
نسأل الله عز وجل أن يتوفانا مسلمين، وأن يجعلنا من الموحدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.