تفسير قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)
قال الله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] أي: لا تعلم أي نفس من النفوس، لا ملك مقرب ولا رسول ولا غيره ما أخفاه الله لهؤلاء المؤمنين في الجنة، إلا من شاء أن يطلعه سبحانه، وهذا يدل على أن هذا الشيء الذي أخفي شيء عظيم جداً وشيء غال جداً، شيء يليق بعظمة الله سبحانه وتعالى، فمهما أراد إنسان أن يتخيل ومهما تخيلت ما الذي عند الله للمؤمنين فلن تصل إلى كنه ذلك؛ فهو أعظم بكثير مما تتخيل، فلا تعلم نفس خلقها الله سبحانه وتعالى أن تعلم ما الذي أخفاه الله سبحانه لهؤلاء من قرة أعين، أي: العين القريرة، والعين القارة، والعين الباردة، فالإنسان في حال فرحه تقر عينه وتستريح عينه، فإذا بكى من الفرح تكون دموع البكاء من الفرح باردة بخلاف الحزن، وإذا حزن الإنسان وخاف وبكى من حزنه نزلت دموع الحزن حارة، فهناك فرق بين الفرح والحزن، فهؤلاء قرت أعينهم بفرحهم وباطمئنانهم بالله سبحانه وتعالى، فإذا اشتد فرحهم وبكوا من الفرح كانت دموعهم قارة باردة وليست دموعاً حارة ساخنة، فهم في فرحهم بالله سبحانه وفي رجائهم بالله سبحانه قد قرت أعينهم.
قوله: ((جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) أي: بسبب ما كانوا يعملون، فسبب دخولهم الجنة أعمالهم، والأعمال سبب لدخول الجنة وليست ثمناً للجنة؛ لأنه الجنة عظيمة غالية.