تفسير قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)
من الأحاديث التي جاءت عن النبي ﷺ في فضل قيام الليل حديث سهل بن سعد الساعدي قال: شهدت من رسول الله ﷺ مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال ﷺ في آخر حديثه: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قرأ هذه الآية: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٦ - ١٧]) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
فقوله تعالى: ((فلا تعلم نفس)) كل النفوس وأي نفس من النفوس مهما بلغت من العلم لا تعلم ما الذي ادخره الله عز وجل من ثواب عظيم جدير لعباده المؤمنين، ففي الحديث: (في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، إذاً: فيها: جمال عظيم، وفيها نعيم مقيم، والعين مهما رأت من نعيم في الدنيا فإنه لا يقارن بما في الجنة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا أذن سمعت) من أصوات جميلة، وموسيقى طيبة، ومن أشياء يسمعونها وينعمون بها، والله سبحانه وتعالى يفككهم بها في الجنة، لم يسمعوا قبل ذلك مثلها، وهذا يجعل الإنسان المؤمن يصبر على هذه الدنيا، ويصبر على أمر الله، ويصبر عما نهى الله عز وجل عنه، وهو يريد من الله سبحانه هذا الفضل العظيم، فيترك الدنيا لنعيم الجنة.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لا حسد إلا في اثنتين)، نهينا عن الحسد، ولكن يجوز الحسد وليس بمعنى الحسد الحقيقي، ولكن بمعنى الغبطة، يغبط الإنسان صاحبه، والحسد معناه: تمني زوال النعمة من الغير، لكن المقصود هنا: تمني أن يكون لي مثل ما لهذا الإنسان، قال: (رجل آتاه الله الكتاب، وقام به آناء الليل والنهار)، يعني: رجل علمه الله سبحانه وحفظه القرآن فقام يصلي بالليل، فيتمنى الإنسان أن يكون مثله، ويحاول أن يقلده في ذلك، والآخر: (رجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)، فيقول المسلم: يا ليت لي مثل فلان، وأنا أعمل مثل فلان، فيؤجر مثل عمل هذا الآخر.
أيضاً مما جاء في الحث على قيام الليل: حديث رواه البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ طرق الباب عليه وعلى فاطمة بنت النبي ﷺ ليلاً، والله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ [طه: ١٣٢]، فكان النبي ﷺ يتعاهد أهله عليه الصلاة والسلام بالصلاة وخاصة قيام الليل، وهم لا يتركون الفرائض، ولكن قيام الليل قد يكسل الإنسان عنه، فذهب النبي ﷺ لبيت ابنته فاطمة رضي الله عنها وعلي بن أبي طالب زوجها رضي الله عنه، فطرق الباب ثم قال: (ألا تصليان؟ وقام علي بن أبي طالب من النوم فقال: يا رسول الله! أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فقرأ النبي ﷺ الآية من سورة الكهف: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤])، وكان هذا تأديباً لـ علي بن أبي طالب أي: لا ترم كسلك على تقدير الله سبحانه وتعالى، وتقول: ربنا لو أراد أن نقوم لقمنا، كما أن كثيراً من الناس يقول لك: لو أراد الله أن نصلي لصلينا، فنقول له: اذهب وصلَّ، وانظر هل يمنعك من الصلاة أم لا؟ إذاً: لا تعلق الأمر على قضاء الله وقدره سبحانه، ولكن افعل ذلك، فالإنسان المؤمن يأخذ بالأسباب ليقوم الليل، وفرق بين إنسان يضبط المنبه ليقوم قبل الفجر ويصلي ركعتين، وبين إنسان أطفأ المنبه قبل أن ينام، ويقول: لو أراد الله أن أقوم لقمت! لا يستويان أبداً، فلو أن هذا الإنسان الذي أخذ بالأسباب، نام ولم يقم الليل، ولا حتى صلاة الفجر، وقام بعد الشروق فهذا مأجور، له أجر قيام الليل، وأجر صلاة الفجر؛ لأنه معتاد على ذلك، وتصدق الله عز وجل عليه بنومه ذلك، وأما الآخر لم يأخذ بالأسباب فضيع وفرط بتقصيره، فقال النبي ﷺ لـ علي رضي الله عنه: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤].
والمعنى الآخر الذي ذكرناه في سنن أبي داود عن عائشة زوج النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ قال: (ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم، إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة)، وهذا فضل من الله الكريم سبحانه وتعالى.
نسأل الله من فضله العظيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.