الكلام عن موضوعات سورة الأحزاب وأهم ما ذكر فيها
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ١ - ٤].
وقد قدمنا أن هذه السورة الكريمة من السور المدنية، وأن آيات هذه السورة ثلاث وسبعون آية، وأنها نزلت في غزوة الأحزاب أو بعدها في أواخر سنة خمس من الهجرة على الصحيح فيها، وقد كانت غزوة الأحزاب في شوال أو في ذي القعدة من سنة خمس.
وقد نزلت هذه السورة على النبي ﷺ لتبين له أحكاماً من أحكام المنافقين والكافرين وغيرهم، فبدأ ربنا سبحانه وتعالى فيها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١].
وقد كان عدد الكفار لما أتوا إلى النبي ﷺ وهو في المدينة عشرة آلاف وعشرة رجال، وكان عدد المسلمين يومئذ ثلاثة آلاف، فقد تجمعت قريش والأحابيش وغطفان وغيرهم وجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فما كان منه ﷺ إلا أن استشار المؤمنين، فأشار عليه بعضهم بأن يحفر خندقاً بينه وبينهم، فكان الأمر وجاء النصر من عند الله سبحانه كما ذكرنا.
والحق أن أهم ما ذكر في هذه السورة: هو الرد على الكفار والمنافقين؛ لأنهم تقولوا بأقوال كاذبة فردها الله سبحانه وتعالى عليهم، وفيها الرد على قولهم لما تزوج النبي ﷺ بـ زينب بنت جحش كيف يتزوج بامرأة ابنه وقد حرم ذلك ربنا تبارك وتعالى؟ فرد ربنا سبحانه بالنهي عن التبني وإبطال نسبة الولد إلى أبيه بالتبني، وذلك في قوله سبحانه: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥]، وقال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦].
فالاختيار يكون لله سبحانه وتعالى، فهو من يختار لنا ما يليق بنا وينفعنا ثم يعلم النبي ﷺ بالوحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، فإذا اختار لنا شيئاً فالخيرة فيما اختاره الله سبحانه وما اختاره النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
كذلك يوجد في هذه السورة تحريض للمؤمنين على التمسك بشرع الله تبارك وتعالى كما ذكر أنه أخذ العهد على النبيين من قبل النبي ﷺ بذلك، فقد أخذ العهد والميثاق على النبي ﷺ وعلى نوح والنبيين من بعد نوح عليه الصلاة والسلام.
وفيها: وجوب التمسك بعهد الله وميثاقه الذي أمر به.
وأيضاً الاعتبار بما أظهره الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين على أعدائهم من الكفرة، فيعلم الإنسان أن النصر من عند الله؛ لأن المؤمنين إذ ذاك لم يتوقعوا انتصاراً في هذه الغزوة؛ وبالذات لأن عددهم ثلاثة آلاف وعدد الكفار عشرة آلاف.
وقد جعلوا حصناً منيعاً بينهم، حتى اضطر المؤمنون إلى اللين مع اليهود حتى يحفظ اليهود ظهورهم، فإذا باليهود يغدرون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح المشركون من أمامهم واليهود من ورائهم، فشعر المسلمون أنهم بين فكي كماشة.
ثم إذا بالنصر يأتي من عند رب العالمين تبارك وتعالى، في وقت يأس المسلمين من النصر، فإذا به يأتي من عند الله من حيث لا يتوقعون، فأرسل الرياح حتى جعلت الكفار يهربون ظناً منهم أن المؤمنين قد هاجموهم في ذلك الوقت، ففيها: أن الله سبحانه وعد المؤمنين بالنصر متى يشاء سبحانه إن استحقه المؤمنون.
وفيها أيضاً: الثناء على صدق المؤمنين وثباتهم في الدفاع عن دين رب العالمين سبحانه وتعالى، كما قال الله سبحانه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣]، فمن كان بهذه الصفة صح فيه المدح ودخل تحت هذه الآية.
وفيها أيضاً: إظهار نعم الله سبحانه وتعالى على المؤمنين بأن مكنهم من الكفار ومن أهل الكتاب، وجعل لهم ديارهم وأموالهم، وجعل لهم الظهور عليهم، فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى بأن نصر المؤمنين وأعطاهم الغنائم والفيء.
وفيها أيضاً: ذكر أحكام العشرة الزوجية، وما يكون من الرجل مع أهله، وكيف يتزوج الإنسان، وكم هو العدد المسموح به في الشرع، وبيان خصوصية النبي ﷺ في هذا وأن المؤمنين لا يدخلون معه في ذلك؛ لأن الله سبحانه يعلم ما ينفع له وما ينفع للمؤمنين فشرع ذلك سبحانه وتعالى.
وفيها كذلك: ذكر عدة المطلقة قبل الدخول بها والبناء عليها.
وفيها أيضاً: ما ذكره سبحانه من صفات المنافقين، وكيف أنهم يرجفون بالمؤمنين، وأنهم أشد الناس جبناً وخوفاً مع ادعائهم القوة والشجاعة.
ثم اختتمت هذه السورة بالذي افتتحت به، فكما قال سبحانه في أولها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١] قال في آخرها: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣].
فذكرهم في أولها ثم بين عاقبتهم في آخرها وما هم صائرون إليه، وفي هذه السورة أيضاً: بيان القدوة والأسوة الحسنة وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والحث على التأسي والاقتداء به صلوات الله وسلامه عليه.