حكم الظهار وبيان كفارته
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ [الأحزاب: ٤ - ٦].
في هذه الآيات حرم الله سبحانه وتعالى مظاهرة الرجل من امرأته، كما حرم أن يدعي ابناً ليس له، قال سبحانه: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] وقد تقدم ذكر القراءات في هذه الآية.
وقد منع الله سبحانه وتعالى من المظاهرة، وهي أن يظاهر الرجل من امرأته فيقول لها: أنت علي كظهر أمي، وجاء المنع هنا بصيغة الإخبار فقال: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤].
في سورة المجادلة ذكر الله سبحانه تحريم ذلك كما ذكر أن ذلك هو قول للزور وقول للمنكر، قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ [المجادلة: ١ - ٢] فبين أن من الزور والمنكر أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، يريد: أنها محرمة عليه كحرمة أمته.
ثم بين ما يجب على من وقع في ذلك فقال: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣].
فبعد أن ذكر أن هذا منكر من القول وزورا، ذكر ما عليه من الكفارة إذا عاد، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] أي: يرجعون عن القول الذي قالوه ويريد أحدهم أن يعاشر امرأته وأن يرجع إلى حياته الطبيعية، فإذا أراد أحدهم ذلك وجب عليه أن يكفر عن هذا القول الذي قاله وكأن قوله بمثابة اليمين المغلظة التي يحلف بها، ولكن كفارة هذا القول الزور الذي قاله أن يعتق رقبة، قال تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣].
ولأن بعض الناس لا يملكون الرقبة فقد بين حكم من لم يجد ما يعتق، وأن الفرض عليه أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، قال تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤].
فإذا لم يستطع ذلك فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، قال تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤].
وهذه الأحكام وعظ من الله تبارك وتعالى، وقد بينت الآيات أن الكفارة لا تكون إلا قبل أن يتماسا أي: قبل أن يعاشر الرجل امرأته، فعليه أن يكفر بواحدة من ثلاث على الترتيب: فعليه أن يعتق رقبة إذا وجدت الرقاب، فإذا انعدمت الرقاب، لزمه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا لم يقدر على ذلك كان عليه أن يطعم ستين مسكيناً، فلو أنه عكس الترتيب فبدأ بإطعام ستين مسكيناً وهو واجد لرقبة أو قادر على الصيام لا يجزئ ذلك عنه، ولا بد أن يعتق الرقبة إن وجد.