تفسير قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا * وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٦ - ٨].
في هذه الآيات من سورة الأحزاب يخبرنا الله تبارك وتعالى عن فضيلة للنبي صلوات الله وسلامه عليه وخصيصة اختصه الله سبحانه وتعالى بها، والنبي صلوات الله وسلامه عليه هو الذي أرسله رب العالمين كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦].
فهذا النبي البشير النذير الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا ربه سبحانه أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولذلك قال الله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦].
فالمؤمنون يفضلون النبي ﷺ على أنفسهم، ورأي النبي ﷺ لهم أحب إليهم من آرائهم وإن اجتمعوا، فالنبي معصوم عليه الصلاة والسلام، وربنا مدحه وجعل له هذه الفضيلة، وهي أنه أولى بكل مؤمن ومؤمنة.
لما أنزل الله تبارك وتعالى عليه هذه الآية أتي بجنازة ليصلي عليها، فسأل هل عليه دين؟ فأخبروه أن عليه ديناً، فقضى عنه دينه صلوات الله وسلامه عليه وقال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفي وعليه دين فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته)، فمن يتوفى ويترك مالاً فماله لأهله يرثونه، ومن ترك ديناً فإن النبي ﷺ يقضي عنه هذا الدين.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيها).
فالنبي ﷺ يدفعنا عن النار، فيقول: (أنا آخذ بحجزكم) وحجزة الإنسان معقد إزاره، فمن أمسك الإنسان من حزامه فالممسوك لا يفلت منه، فيقول: (أنا آخذ بحجزكم) يعني: ممسك بكم حتى لا تقعوا في النار، ومع ذلك تتفلتون مني، وتقحمون فيها، يعني: تقعون في النار بسبب المعاصي والشهوات والفتن، وهذا مثال الإنسان الذي يسمع كلام رب العالمين ويسمع حديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فيلقي ذلك وراء ظهره، ويوقع نفسه في المعاصي والشهوات والشبهات فيقع في النار.
فالنبي ﷺ حريص على نجاتنا وتخليصنا من النار، ولكن الإنسان تدفعه الفتنة وتدفعه الشبهة والشهوة إلى أن يوقع نفسه في النار، وهذا مثل ضربه النبي ﷺ يبين لنا اجتهاده صلوات الله وسلامه عليه في تخليصنا من النار وفي نجاتنا منها، فهو أولى بنا من أنفسنا، هو علم ونحن جهلنا، فهو أولى بنا من أنفسنا عليه الصلاة والسلام.
فالإنسان الذي يقتحم النار ويوقع نفسه فيها لا يدري بخطرها، فإذا وقع فيها يعلم أنه ظلم نفسه، والنبي ﷺ قد علم خطرها فأمسك بحجزنا ليبعدنا عن النار، فهو أرأف بنا وأرحم بنا صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي يعمل في نجاتنا عليه الصلاة والسلام، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا أمرنا بشيء يلزمنا أن نتبعه حتى لو وجدنا أن هذا الشيء لا تريده أنفسنا، فلا يؤمن أحدنا حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك أولى بنا من أنفسنا إذا حكم علينا بحكم فنرضى بحكمه وننفذه على أنفسنا.