تفسير قوله تعالى: (ليسأل الصادقين عن صدقهم)
قال الله: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٨] هؤلاء الأنبياء الصادقون يسألهم الله سبحانه وهم صادقون، فإذا سألهم عن صدقهم أفلا يسأل الكذابين عن كذبهم؟ ففيه التهديد لكل كذاب مكذب بالرسل، فإذا كان الرسل يسألون يوم القيامة وقد علم الله سبحانه وشهد أنهم كانوا على الحق فكيف يغيرهم؟! يوم القيامة يجمع الله الرسل ويسألهم كما قال الله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩]، ويسألهم: هل بلغتم؟ كما قال: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦].
فإذا كان المسيح الذي صدقه الله سبحانه وتعالى وأخبر عنه في هذا القرآن العظيم أنه بلغ رسالة ربه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأنهم افتروا عليه وكذبوا، ومع ذلك يسأله يوم القيامة: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١١٦]، فهذا موقف يفزع فيه المسيح من هذه التهمة: أأنت قلت للناس ذلك؟ فإذا قيل للمسيح ذلك فكيف يقال لعباد المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام؟! وكيف يقال للمشركين؟ ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٨].
فيصدق الصادقون ويكذب الكذابون، وقد أعد الله عز وجل للكافرين عذاباً أليماً.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.