خيانة اليهود وغدرهم
ذهب رجل من بني النضير وهو حيي بن أخطب ومعه مجموعة من اليهود إلى المشركين من أهل مكة فقالوا لهم: تعالوا إلى عز الدهر، تعالوا لقتال محمد ونحن معكم، فاستجاب الكفار لذلك.
ثم ذهبوا إلى غطفان وقالوا لهم مثل ذلك فاستجابوا لهم، واجتمعت العرب على حرب النبي ﷺ واليهود معهم.
ثم ذهب هذا الرجل اليهودي إلى سيد بني قريظة وهو كعب بن أسد ودعاه وقال له: جئتك بعز الدهر، فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه -يعني: أتيتني بسحاب ليس فيه مطر- فقال حيي: اسمع مني ما أقول، ثم بعد ذلك ترى رأيك، فلم يزل يكلمه ويعده ويغره حتى تعاقدا على نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كعب بن أسد وقد قال في أول كلامه: إن النبي ﷺ لا ينقض العهد ولا يغدر، وإني عاهدت النبي ﷺ ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً، فكيف أغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! ولكن اليهود في طبيعتهم الغدر حتى ولو رأوا الإحسان والجميل، ومهما رأوا من آية من آيات الله سبحانه وتعالى سرعان ما ينقلبون عليها.
فالإحسان يكافئونه بالإساءة العظيمة البالغة، فلقد رأوا من الله صنيعه الجميل بهم، حيث أنجاهم من آل فرعون بعدما كانوا في غاية الذل، وكانوا مقهورين مغلوبين، فإذا بهم يعبدون العجل من دون الله سبحانه وتعالى، يرون من موسى عليه الصلاة والسلام النصح لهم، ويرون منه الآيات والمعجزات، ويعلمون أنه رسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام، فمجرد ما ذهب للقاء ربه تبارك وتعالى إذا بهم يقولون عن العجل ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨]، أي: موسى لا يعرف إلهه فإنه ذهب ليبحث عنه، فعبدوا عجلاً من دون الله تبارك وتعالى.
ويأمرهم الله سبحانه أن يدخلوا الباب سجداً ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٥٨]، فإذا بهم يستهينون ويستهزئون فدخلوا الباب ولم يسجدوا، ومشوا على مقاعدهم وقالوا: (حنطة) استهزاءً بدينهم، فبدل ما يقولون: (حطة) أي: يا ربنا حط عنا خطايانا، يقومون بتحريف الكلمة من حطة إلى حنطة، أي حبة من شعير.
فهؤلاء لا أمان لهم أبداً؛ لأنه إذا كان هذا حالهم مع ربهم سبحانه وتعالى، ومع موسى نبيهم عليه الصلاة والسلام، فكيف بهم مع غيرهما، وها هو صنيعهم، فإنهم انقلبوا على النبي صلوات الله وسلامه عليه وغدروا به وراسلوا الكفار وصاروا معهم.
أصبح المؤمنون كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠].
أي: أن الكفار أتوا من الشرق ومن الغرب، فبقي المسلمون محصورين لا يستطيعون أن يعملوا شيئاً.
و ﴿زَاغَتِ الأَبْصَارُ﴾ [الأحزاب: ١٠] أي: أبصار المؤمنين.
﴿وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] أي: من شدة الرعب، ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب: ١٠].