الحكمة من زواج النبي ﷺ بأكثر من زوجة
نساء النبي ﷺ الذي ذكرهن الله عز وجل في القرآن وناداهن: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٣٠] فأخبرهن فقال: ﴿مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ﴾ [الأحزاب: ٣٠].
إذاً: إذا جاءت بالشيء الذي فيه الأجر والثواب فإنه يضاعف لها الأجر والثواب، وإذا جاءت بفاحشة فسيضاعف لها العذاب، فناداهن الله عز وجل: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٣].
فالتي تدخل عند النبي ﷺ تكون طاهرة مطهرة، يريد الله أن يطهرها ويرفع درجتها، لذلك جعل الله عز وجل لنبيه أن يتزوج ما شاء من النساء يكن طاهرات مطهرات، يبلغن دعوة الله تبارك وتعالى التي أمرهن بالتبليغ، فقال: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٤].
احتاج النبي ﷺ أن يتزوج عدداً من النساء، فلا تكفي واحدة ولا اثنتان ولا مجموعة من النساء قليلة في تبليغ هذا الدين العظيم، فالله بكرمه تبارك وتعالى نظر إلى مصلحة النبي ﷺ وإلى مصلحة نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى مصلحة الأمة كلها.
النبي ﷺ يدعو إلى الله، والأحكام التي تنزل منها أحكام تكون ظاهرة فيعلمها الناس، وأحكام تكون خفية فلا يعلمها إلا العدد القليل، وأحكام تأتيه وهو في بيته، وأحكام تأتيه وهو عند الناس، يأتي إلى النبي ﷺ من يسأله في بيته، ولا يمكن لكل الناس أن يأتوا إلى النبي ﷺ ويقابل الجميع في وقت واحد ليسمعوا منه، فكان نساء النبي ﷺ يسمعن من باقي الناس، ويجبن بما يحدث عند النبي ﷺ وبما عرفن من القرآن ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي ﷺ يحتاج إلى نسائه مثل كل إنسان منا، ولو تخيلنا له ﷺ زوجة واحدة فقط وهو مشغول بالدعوة إلى الله وهي داعية معه؛ فمن سيقوم بحق النبي ﷺ الواجب عليها في البيت؟ فتخيل لو كنت أنت عندك امرأتك، وأنت رجل عندك عملك وبيتك وواجبك، وزوجتك متفرغة للدعوة، تذهب إلى الجامع الفلاني، وتذهب لتحفظ قرآناً في المدرسة، فهي ليل نهار مشغولة بالدعوة إلى الله، لذلك يقوم الإنسان فيقول لها: أنا أريد حظي ونصيبي، لابد أن يأخذ الإنسان راحته في بيته.
فالله بكرمه سبحانه جعل للنبي أن يتزوج ما شاء، فتزوج النبي ﷺ تسعاً في وقت واحد، فالمرأة التي ليس هو عندها يأتيها من يشاء فيسألها، وتأتيها النساء يسألنها، كل امرأة تحكي مشاكلها فتجد من يجيب عليها، فتكون المرأة من نساء النبي ﷺ متفرغة ثمانية أيام، فهو عنده صاحبة القسم، فيقسم بين نسائه صلى الله عليه وسلم، وإذا فرغ من هذا اليوم ذهب إلى الثانية في اليوم الذي بعده.
إذاً: هذه في باقي الأيام تدعو إلى الله عز وجل، وتخبر بما أخبر الله عز وجل به، وتذكر ما يحدث في البيوت من أحكام وحكم، فهذا مقام التعليم، فلذلك كانت الواحدة لا تكفي والثنتان لا تكفي، والثلاث لا تكفي، فأباح له الله أن يتزوج ما شاء، فيدعو إلى الله، وتدعو نساء النبي ﷺ إلى الله سبحانه وتعالى.
إذا مات النبي ﷺ وكانت له امرأة واحدة فربما تنسى أشياء، وكل إنسان معرض للنسيان، فامرأة واحدة لا تكفي في تبليغ هذا الدين العظيم وبكل ما يحدث في أمور النساء، وأمر بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الإنسان منا ينسى ماذا عمل أمس، وماذا عمل في أول السنة، فكل منا قد ينسى، فكيف بالمرأة التي هي مشغولة بحال النبي صلى الله عليه وسلم؟! إذا مات عنها النبي ﷺ وحصل لها من الحيرة والاندهاش والحزن والغم على النبي ﷺ ربما تنسى أحكاماً كثيرة، فإذا كن نساء كثيرات ذكرت إحداهن الأخرى بهذا الشيء، فاحتاج النبي ﷺ إلى أن يتزوج عدداً من النساء يكون فيهن الخير والدعوة إلى الله سبحانه.
وقد عمرن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهن التي عاشت حتى سنة خمسين من الهجرة، والتي عاشت حتى سنة ثماني وخمسين من الهجرة، فبعد النبي ﷺ بأربعين سنة أو خمسين سنة وهناك امرأة موجودة من نسائه تدعو إلى الله سبحانه، ويسألها الناس، ويحتاج إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلها الوحيدة تجتهد في أمر من الأمور ويخالفها الباقون، فتكون أخطأت في هذا الشيء، ولو كانت امرأة واحدة فسيؤخذ كلامها على أن هذا كلام نهائي، ولكن لم يكن هذا في واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
انظروا إلى حادثة من الحوادث مثلاً: السيدة عائشة رضي الله عنها اجتهدت في أمر رضاع الكبير، مع أن الرضيع يفطم بعد سنتين من رضاعه.
فهل ممكن أن نرضع من عمره ثلاث سنين أو أربع ويصير ابناً لك إذا أرضعته زوجتك؟ هذا حدث في عهد النبي ﷺ مع سالم مولى أبي حذيفة حيث صار بالغاً عند أبي حذيفة رضي الله عنه، وبدأ أبو حذيفة يغار منه، وهو الذي تربى في بيته فقد كان عبداً عنده، ثم أعتقه وصار كأنه ابن لـ أبي حذيفة رضي الله عنه.
فذهبت امرأة أبي حذيفة إلى النبي ﷺ فأخبرته، فقال لها: (أرضعيه حتى يذهب ما في نفس أبي حذيفة) فأرضعته وعمره فوق العشر فصار ابناً له، فجاءت مسألة من المسائل وهي رضاع الكبير، هل هذه القضية خاصة بـ أبي حذيفة فقط أم أنها له ولغيره؟ فأكثر علماء الأمة على أنها لـ أبي حذيفة فقط، فالسيدة عائشة أخذت بأنه ما كان في سالم مولى أبي حذيفة فهو لغيره، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد، تأمر أحداً من أهلها أن يرضعه، وعندئذٍ فمن الممكن أن يدخل على عائشة بهذا الرضاع، وتصير له بمنزلة الخالة من الرضاعة، فاجتهدت في ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها.
فلو كانت وحدها زوجة للنبي ﷺ لأخذ هذا الحكم على أنه حكم مسلم به، ولكن نساء النبي ﷺ الباقيات اعترضن وقلن: لا يدخل علينا أحد بمثل هذا الرضاع، وهذا اجتهاد منك أنت، وقصة سالم مولى أبي حذيفة لا نراها إلا لـ سالم فقط، وليست لغيره.
كذلك زواج النبي ﷺ كان في أول الإسلام حين كان غريباً، فهو بدأ برجل واحد، وهو النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكل من في الدنيا كان عليه وضده، ولا بد من بذل أسباب حتى يقرب من الناس ويقرب الناس إليه، فكان من ضمن الأسباب: النكاح، فعند العرب: إذا تزوج الإنسان بامرأة من قبيلة صارت القبيلة كلها أهلاً لهذا الإنسان، فيكون له قوة من الناس، وإذا كان النبي ﷺ قد نبذه أهله فسيجد من هؤلاء من يكون بينه وبينهم صلة رحم، فيراعون ما بينهم وبينه لأنه متزوج منهم، فيفرحون بذلك ويسمعون منه صلوات الله وسلامه عليه.
فعندما يتزوج النبي ﷺ من هذه القبيلة وهذه القبيلة فيقرب بعضهم إلى بعض، ويؤاخي بينهم، فتكون قوة لدين الله سبحانه وتعالى.
كذلك الزواج كان له أسباب أخرى، فكان النبي ﷺ يتزوج المرأة ليس لها أحد، تكون مهاجرة في مكان، وزوجها مات في مكان آخر، مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان، وهذه أبوها شيخ قريش، وكان من الكفار، وكانت مهاجرة مع زوجها في بلاد الحبشة، فمات زوجها هناك، فهل ترجع إلى أبي سفيان ليعذبها؟ ذهبت إلى المدينة وليس لها أحد، فكان من النبي ﷺ أن تزوجها ليكون هو وليها صلوات الله وسلامه عليه، ويشرفها ﷺ بذلك.
أمر آخر: أنه لعل قلب أبي سفيان وابنه معاوية يميل إلى الدين، وقد فرح أبو سفيان بنكاح النبي ﷺ لابنته فرحاً شديداً، وظل هذا في قلبه شيء حتى قبل فتح مكة بشيء يسير، ثم دخل في الإسلام.
إذاً: كان هناك حكمة من نكاحه ﷺ لعدد من النساء.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.