الأحكام المأخوذة من زواجه بالسيدة حفصة
ومن نساء النبي ﷺ السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية رضي الله تبارك وتعالى عنها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن توفي عنها زوجها.
فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرضها على أبي بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم عرضها على عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ففيها أن الرجل الفاضل قد يعرض ابنته الفاضلة على أهل الفضل، كالسيدة حفصة رضي الله عنها كانت لها المنزلة ولها المكانة وعندها جمال رضي الله عنها، وأبوها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخاف على ابنته الفتنة، فعرضها على أبي بكر الصديق وقال له: إن كنت ترغب أن تنكح فانكح حفصة، فـ أبو بكر الصديق سكت رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكذلك عرضها على عثمان بن عفان فرد عليه بقوله: ليست لي حاجة في النكاح.
فـ عمر كأنه وجد على أبي بكر حين لم يرد عليه فكأنه حصل في نفسه حزن، ثم حدث بعد ذلك أن خطبها النبي ﷺ وتزوجها، فقال أبو بكر لـ عمر: لعلك وجدت علي عندما لم أرد عليك؟ قال: نعم، -فقد كانوا أهل صدق رضي الله تبارك وتعالى عنهم- قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يذكرها فلو تركها لتزوجتها، ولا يمكن أن أفشي لك سر النبي ﷺ لأنه ذكرها، فقد يمكن ألا يتزوجها.
فـ أبو بكر حمو النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
ونتعلم من نكاح النبي ﷺ بعديد من النساء كيف تكون أخلاق الأحماء، فـ أبو بكر حمو للنبي ﷺ وهو صديقه ووزيره رضي الله تبارك وتعالى عنه، ففيه الأدب الشرعي الذي علمهم به الإسلام العظيم، وهو أن الإنسان يتكلم بالحق وبالعدل، وأن حق النبي ﷺ أن يتزوج أكثر من امرأة كما جعل الله عز وجل ذلك له، فـ أبو بكر الصديق يرضى بهذا الشيء ويقول لـ عمر بن الخطاب: إن ابنتك لو لم يتزوجها النبي ﷺ لكنت أنا تزوجتها.
والسيدة حفصة رضي الله تبارك وتعالى عنها كانت امرأة عظيمة فاضلة لها جمال وأبوها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان نساء النبي ﷺ يحدث بينهن نوع من الغيرة كما يحدث بين الضرائر، فالسيدة حفصة كانت واحدة من اللاتي غيرتهن شديدة، ، فلما زاد ذلك منها غضب النبي ﷺ فطلقها.
وكان عمر يذهب ليؤدب ابنته عند النبي ﷺ يقول لها: لا تسألي رسول الله ﷺ مالاً، سليني من مالي ما شئت، ولا تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يوبخها بكلام شديد جداً فيقول لها: إنما تزوجك النبي ﷺ من أجلي، وليس من أجل جمالك -وهذا القول يكسر نفس المرأة- والزمي حدك وإلا طلقك النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما طلقها النبي ﷺ لم يعمل عمر شيئاً رضي الله تبارك وتعالى عنه، إنما جاء جبريل من عند رب العالمين سبحانه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: راجعها إنها صوامة قوامة، أي: أن لها فضيلة أخرى، فهي كثيرة الصيام والقيام والله عز وجل راض عنها، فهي زوجة النبي ﷺ في الجنة.
فتتعلم المرأة من ذلك أنها إذا كانت ترضي ربها سبحانه وتعالى فالله لا يتخلى عنها أبداً.
فنتعلم من طلاق النبي ﷺ للسيدة حفصة لما ضايقته ﷺ في شيء أن الله عز وجل عرف لها فضل قيامها وفضل صيامها، فنزل جبريل فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة.
وفيه جواز أن يطلق الرجل امرأته إذا أغضبته، وفيه أنه يراجع نفسه وينظر إلى مزاياها وإلى فضائلها، فإذا كانت مطيعة لله سبحانه صبر عليها وارتجعها.
توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها في شعبان من سنة خمس وأربعين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمكثت بعد النبي ﷺ خمساً وثلاثين سنة تبلغ دين ربها، وماتت ولها ستون سنة، ولما توفي النبي ﷺ عنها كانت قد جاوزت الخمس والعشرين سنة رضي الله عنها فمكثت بعده خمسة وثلاثين سنة، ثم توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها.