مقدمة بين يدي سورة سبأ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
هذه السورة الرابعة والثلاثون من كتاب الله سبحانه وتعالى، وهي من السور المكية التي من خصائصها: التذكير بتوحيد الله سبحانه وتعالى، والتذكير بالبعث والنشور والكلام عن اليوم الآخر وما يكون فيه، والتذكير بآيات الله سبحانه التي أنزلها على نبيه صلوات الله وسلامه عليه وما فيها من حكم ومواعظ.
كذلك فيها إثبات علم الله عز وجل المحيط، وأسباب صدق النبي صلوات الله وسلامه عليه فيما يخبر به من كتاب الله سبحانه وتعالى، ويشهد له بذلك الذين أوتوا العلم سواء من أهل الكتاب أو من المؤمنين الذين دخلوا في هذا الدين العظيم.
كذلك يضرب الله عز وجل فيها الأمثال للناس لعلهم يتذكرون بما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها من أسماء.
هذه السورة في ترتيب المصحف هي الرابعة والثلاثون، وبحسب النزول ذكروا أنها نزلت بعد سورة الإسراء، فقد ذكر الله سبحانه في سورة الإسراء أن المشركين طلبوا من النبي ﷺ آيات فقال عنهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩١].
﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] فقالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فرد الله سبحانه تبارك وتعالى عليهم في هذه السورة فقال: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٩] يعني: إن نشأ فعلنا بهم هذا الشيء الذي يطلبون على وجه الاستبعاد أنه لا يكون، ويظنون أنه لا يقدر عليه الصلاة والسلام، ويكذبونه ويجحدون بآيات الله عز وجل.
وربنا يخبر أنه أخر عنهم ذلك حلماً ورحمة، لعل هؤلاء يتوبون إلى الله سبحانه وتعالى.
وهي على ترتيب النزول السورة الثامنة والخمسون من كتاب الله عز وجل، وعدد آياتها أربع وخمسون عند جمهور من عد هذه السورة، وفي مصحف أهل الشام خمس وخمسون آية، وليس الخلاف في زيادة الآيات ونقصانها إنما الخلاف في موضع الوقف، فالعد الشامي اعتبر قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: ١٥] آية، أما باقي القراء فأكملوا الآية على أنها آية واحدة وليست آيتين، وهكذا في كل ما جاء فيه خلاف في عد الآيات فهو في موضع الوقف وهل هو رأس آية أم لا؟


الصفحة التالية
Icon