معنى قوله: (الحمد لله)
بدأ الله عز وجل السورة بالحمد فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [سبأ: ١]، الألف واللام للجنس يعني: جنس الحمد وكل الحمد له سبحانه وتعالى، فهو الذي يستحق الحمد على أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وأفعاله العظيمة الجميلة.
والحمد بمعنى: الثناء الجميل على الله سبحانه لكماله وجلاله وجماله.
كذلك الحمد يدخل تحته الشكر؛ لأنك تحمده سبحانه لأنه يستحق، وتحمده لأنه يعطي وينعم.
فالحمد أعم من الشكر وأخص منه، فالحمد له سبحانه وتعالى والشكر يكون له ولغيره، فهو الذي يستحق الحمد على ما فيه من صفات جليلة وعظيمة وجميلة، وعلى ما أعطى خلقه من نعم.
قال تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) اللام في (لله) للملك، يعني: الله يستحق هذا الحمد ويملكه وحده.
ثم قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات)).
يبين استحقاقه سبحانه للحمد بأنه هو الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض فيكون الحمد له وحده.
أما غيره فلا يملك شيئاً إلا عرضاً من الدنيا وليس ملكاً حقيقاً، وكل مخلوق يملكه الله عز وجل شيئاً يغتر بهذا الشيء، وذلك ليس ملكاً أبدياً، فإذا جاءت الوفاة انتقل إلى غيره، فكان مستخلفاً في الأرض، ويخلف الناس بعضهم بعضاً في هذه الأموال.
قال سبحانه: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) أي: السماوات وما فوقها وما تحويها، والأرض وما فوقها وما تحتها وما فيها وكل ما بينهما يملكه الله سبحانه وتعالى.
قال سبحانه: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَة﴾ [سبأ: ١] هذا من التفنن الجميل في كتاب الله عز وجل، فلم يكرر الحمد لله بنفس الصيغة، فلم يقل: الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، والحمد لله الذي له ما في الآخرة، ولكن أتى بصيغة أخرى هي في موضعها غاية في الجمال، وتأمل في معناها، فالله سبحانه يستحق الحمد في الدنيا وفي الآخرة: في الدنيا قد يحمد المخلوق ربه سبحانه، وقد يثني على غيره كأن يكون إنسان أعطاه شيئاً فيشكره عليه ويحمده على ما فيه من صفات جميلة مثلاً.
ولكن إذا جاءت الآخرة فلا يحمد أحداً، ولا يذكر أحد أحداً، فكل إنسان يقول: نفسي نفسي.
قال تعالى: (وله الحمد) فقدم الجار والمجرور على الاسم للاختصاص، أي: أن هذا الحمد في الآخرة ليس له ولغيره بل له وحده لا شريك له، فيعرف الجميع المسلمون والكفار، الإنس والجان أنه وحده سبحانه الذي يستحق الحمد وأنه وحده الإله الذي لا شريك له.
له الحمد في الآخرة فأهل الجنة يقولون: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء.
كذلك إذا دخلوا الجنة كان آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
وكلما أنعم عليهم بنعمة كان آخر ما يفرغون من نعمه العظيمة يقولون: الحمد لله رب العالمين.