تفسير قوله تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها)
قال الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ [سبأ: ٢]، الله هو الحكيم الخبير الذي يعلم العلم الشامل المحيط ما يلج في الأرض، وقد كان الكفار يظنون أن الله عز وجل لا يعلم ما يسرونه، واجتمع ثلاثة نفر عند الكعبة في يوم من الأيام ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي عظيمة شحوم بطونهم، قليلة أفهام عقولهم، فقال بعض هؤلاء الحمقاء لبعض: أترون الله يعلم ما نقول؟ فرد بعضهم: نظن أنه إذا أعلنا سمعنا، وإذا أسررنا لم يسمعنا! يقولون ذلك من غبائهم وعدم تفكيرهم فقاسوا الخالق على المخلوق، فظنوا أن الله لا يعلم إلا ما يجهرون به أما ما يسرون فإنه لا يعلمه، فقال رجل: إن كان يعلم ما نعلن؛ فهو يعلم ما نسر.
قال الله عز وجل يرد على هؤلاء وأمثالهم: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾ [سبأ: ٢] الولوج: الدخول والتغيب، يقال: ولج في الشيء بمعنى: دخل وغاب فيه، فما يلج في الأرض أي: ينزل بداخلها ويختفي فيها فالله سبحانه تبارك وتعالى يعلمه.
قال الله: ((يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا)) أي: ما يخرج منها يعلمه أيضاً.
وقال: ﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] أي: يعلم ما يسقط من الأشجار من ورق، ومصير هذا الورق أين يذهب، هل يأكله إنسان أو حيوان أو أنه يتحلل ويغوص في باطن الأرض فينتفع به ما بداخل الأرض من دواب أو ينتفع به النبات بعد ذلك؟ فالله يعلم الحبة حين تسقط من السنبلة على الأرض هل تنزرع أم تكون رزقاً لنملة في الأرض أم تكون رزقاً لإنسان أو حيوان؟ والله يعلم ما يلج في الأرض من أشياء فتختفي بداخلها من أجساد ومن زروع وثمار ونحو ذلك.
وما يخرج من الأرض من أشجار وثمار ومعادن وغير ذلك.
ويعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها من ملائكة تنزل من السماء، ومن مطر ينزل منها، ومن بلاء ينزل على العباد وقضاء وقدر، ويعلم ما يعرج إلى السماء من الملائكة (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، فإذا صعد الذين باتوا فيكم إلى ربهم، سألهم ربهم سبحانه: كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون).