معنى قوله تعالى: (يا جبال أوبي معه والطير)
قال تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠]، فهذا من فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وكأنه قال: نادينا الجبال: يا جبال ونادينا الطير ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] والأوبة بمعنى: الرجعة، آب بمعنى: رجع، كأنه يقول: يا جبال رجعي معه صوته الجميل، هو يقول بصوت جميل مسبحاً ربه سبحانه، والجبال تردد معه ذلك، وهذه معجزة لهذا النبي الكريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قوله: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] ونادينا الطير كذلك أن تؤوب معه وأن ترفرف فوقه، وتقف لتستمع لمزامير داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو يترنم بالزبور، أو يترنم بما يقوله من توبة لله عز وجل، وتسبيح وذكر لله سبحانه وتعالى.
قوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] هذه إجابة لدعاء دعا داود به ربه سبحانه وتعالى، فأكرمه بأن جعل رزقه من عمل يده، كان ملكاً على بني إسرائيل فملك تحت يده أموال الناس، وتحت يده أموال المملكة، وكان غاية في العدل عليه الصلاة السلام فإذا به في يوم من الأيام يخرج بالليل متخفياً في الليل فيسأل الناس عن نفسه: كيف تجدون داود عليكم؟ كيف صنع داود بكم؟ فالناس يمدحونه ولا يعرفونه بالليل، وهو يستخفي عنهم ويسألهم عن نفسه حتى ينظر في نصح الناس له، وينظر في أمر الناس هل يحبون منه سيرته وعدله أم أنهم يبغضون منه خصلة من الخصال؟! فإذا بالله عز وجل ييسر له ملكاً أو واحداً من الرعية، يقول لداود على نبينا وعليه الصلاة والسلام: (نعم الرجل داود لولا أنه لا يأكل من عمل يده) نعم الرجل! هو رجل جيد لكنه لا يعمل بيده، ما يتكسب بصنع اليد، فإذا بداود يرجع إلى بيته ويسأل ربه سبحانه وتعالى أن يعلمه سبحانه، فعلمه بكرمه وفضله فأعطاه الكثير قال: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠]، فداود يلين الحديد في يديه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يمسك بالحديد فيصير كالعجين في يده، فيلوي الحديد كيفما يشاء: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] هذه معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى، يُري عباده أنه على كل شيء قدير، وأنه يسخر لمن يشاء من عباده ما يشاؤه سبحانه وتعالى منة من الله سبحانه وتفضلاً منه على من يشاء من خلقه، فقال سبحانه: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠].


الصفحة التالية
Icon