تفسير قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة)
ثم بعد أن ذكر سبحانه عذابهم وإبادتهم وإهلاك أرضهم ذكر سبحانه الأسباب التي عملها هؤلاء، وهي أنهم أعرضوا عن الله سبحانه، وكأن الله أرسل إليهم أنبياء يدعونهم فلم يؤمنوا بالله سبحانه ولم يذكروا ربهم بل كفروا ولم يشكروا، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: ١٨] هنا يذكر سبحانه باقي نعمه على هؤلاء، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [سبأ: ١٨]، والقرى المباركة هي قرى الشام.
فهم كانوا في اليمن، فإن سبأ ومأرب بجوار صنعاء.
فجعل الله عز وجل من صنعاء إلى الشام قرىً، كل قرية تتلو قرية، ووراء كل قرية قرية، حتى إن المسافر للتجارة من اليمن إلى الشام كان لا يحتاج إلى زاد ولا إلى ماء في الطريق.
ويجد الجنات والعيون من خروجه حتى يصل، ومن هناك حتى يرجع إلى أرضه! قال تعالى: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾، أي: ليست باطنة ومختفية.
وأنت إذا سافرت في الطريق البري من الإسكندرية للعمرة أو للحج فإنك تمر على صحار شاسعة، ولا تجد قرية إلا بعد تعب ومشقة ولا تجدها على الطريق.
وتحتاج إلى من يدلك عليها.
وأما قوم سبأ فقد جعل الله عز وجل لهم القرى ظاهرة ليست مختفية، ولا يحتاجون إلى من يدلهم عليها، وجعل الله عز وجل لهم الأرض كلها بساتين وجنات وعيون في الطرق جميعها، فكانوا يصبحون في ذلك ويمسون فيه.
فإذا سافروا وانتقلوا من مكان إلى مكان، أو من قرية إلى قرية لا يحتاجون إلى حمل شيء من الأمتعة معهم في الطريق.
قال تعالى: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٨] وأتى فيها بنون العظمة سبحانه تبارك وتعالى.
وإذا قدر الله سبحانه فمن المستحيل أن يأتي الشيء على خلاف تقديره سبحانه.
فقدر سبحانه الوقت الذي يستغرقونه في المشي في القرى، حتى إذا أمسوا أمسوا في قرية، وإذا أصبحوا ومشوا قليلاً رأوا القرية الأخرى، ويبيتون في قرية أخرى، حتى لا يتعبون.


الصفحة التالية
Icon