تفسير قوله تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة فاطر: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١٠ - ١١].
يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى عن العزة التي يطلب الإنسان أن يتعزز بها في الدنيا، يقول تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) والعزيز: هو القوي الغالب القاهر الذي لا يغالب ولا يمانع سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه مراراً، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤]، وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ﴾ [الصافات: ١٨٠]، وقال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وقال هنا: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: ١٠] فمن أراد أن يتعزز في هذه الحياة الدنيا، ومن أراد أن يكون قوياً في حجته وفي بيانه، قوياً في نفسه قوياً في قلبه، قوياً في عدده وعدده فليتعزز بالله سبحانه وتعالى.
فمن طلب العزة عند غير الله سبحانه فقد أبى الله إلا أن يذل من عصاه، ومن عصى الله سبحانه وابتعد عنه سبحانه فإن الذل في قلبه وفوق رأسه، يذله الله سبحانه ولا يعزه أبداً، حتى وإن كان قوياً في بدنه غنياً في ماله، ومعه أعوان وأنصار، فالله سبحانه أبى إلا أن يذل من عصاه، فيستشعر في نفسه الذل وفي قلبه، ويستشعر أنه بعيد عن الله سبحانه وتعالى، فلا تتعزز إلا بربك فله العزة جميعاً.
فالله هو العزيز، وقد جعل هذه العزة لعباده، وجعل لعباده المؤمنين عزة يتعززون بها، بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبدفاع الله عز وجل عنهم، وبنصر الله سبحانه وتأييده لهم.
والإنسان إذا تعزز بالله سبحانه وبدين الله كان الله عز وجل معه، فإذا تعزز بالدنيا أخذته العزة بالإثم فترك الله سبحانه، وسرعان ما يقع هذا الذي يتعزز بغير الله سبحانه وتعالى.
قال الله سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٤ - ٢٠٦]، فالعزة هنا: الحمية، والأنفة، والكبر، والغضب لغير الله سبحانه، يأخذه ذلك إلى أن يرفض أن يقال له: اتق الله، فإن قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، وقد تقول لإنسان: الله يهديك، فيقول لك: هل تنظر إليَّ أنني مجنون؟! فلا يرضى بأن تدعو له بخير، ولا يرضى إلا أن يستشعر أنه عزيز، وأنه غالب.
ومن نازع الله عز وجل في العزة وفي الكبرياء أكبه على وجهه في النار.
فالله هو العزيز وحده سبحانه، وعزة المؤمنين هذه بأن الله أعزهم، وبأن الله معهم، ولو أنهم بعيدون عن الله سبحانه فلا عزة لهم، فالعزة في القرب من الله، وفي الصلة بالله سبحانه وتعالى، وفي أن يدافع الله عز وجل عن عبده، فالله عز وجل هو العزيز الغالب القاهر الذي يقهر ولا يُقهر أبداً، والذي يقضي ولا يمنع قضاؤه أبداً، فالعزة لله عزة دائمة أبداً بدوامه سبحانه وتعالى وهي العزة الحقيقة.
أما من تعزز بغير الله سبحانه فليس له إلا الذل من الله، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه.