تفسير قوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجلٍ مسمى) والإعجاز العلمي فيها
قال سبحانه وتعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر: ١٣]، والإيلاج: هو إدخال شيء في شيء، فالأرض كروية تدور حول نفسها، والشمس تجري لمستقر لها.
وقد اكتشف رواد الفضاء عندما خرجوا من العلاف الجوي للأرض: أن الظلام محيط بالأرض من كل جانب، وأن الله سبحانه وتعالى قد جعل حول الأرض شيئاً معيناً بحيث تنعكس عليه أشعة الشمس نحو الأرض فيظهر النهار، فالنهار هو الذي يجلي الشمس ويظهرها، فتراها وأنت في داخل الأرض؛ ولذا قال سبحانه: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشمس: ١ - ٤]، فأقسم بالشمس، وبضحى هذه الشمس، وبالقمر، وبالنهار الذي يجلي هذه الشمس ويظهرها، وبالليل كذلك.
وقد كان المفهوم السائد الغالب في الماضي أن الشمس هي التي تجلي النهار وتظهره، حتى جاءت هذه الآية لتبين الحقيقة العجيبة، قال تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ [الشمس: ٣]، أي: إذا أظهر الشمس.
ولذلك تحير العلماء في ماهية النهار وحقيقته، حتى قالوا: إنه الطبقات الترابية أو الغلاف الذي يحيط بالأرض، فإنه إذا واجه الشمس انعكست أشعتها عليه فظهر النهار وكأنه شيء بين الأرض وبين الشمس، فإذا تحركت الأرض ودارت حول نفسها ذهبت أشعة الشمس إلى المكان الذي كان مظلماً قبل ذلك، وأظلم هذا المكان الذي كانت فيه أشعة الشمس أولاً، وهكذا يتعاقب الليل والنهار.
وهذا دليل ظاهر على كروية الأرض، فإن الأرض لو كانت مسطحة لواجهت أشعة الشمس ولدام عليها النهار أبداً، وهو مصداق لقوله سبحانه وتعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٥]، فالنهار يكون على جزء منها، كما أن الليل يكون على الجزء الآخر، وهذا دليل ظاهر على كروية الأرض.
يقول العلماء: وقد كشف العلم الحديث: أن الليل يحيط بالأرض من كل مكان، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد، وهو بسيط جداً بالنظر إلى الليل الدامس الموجود في الكون ككل؛ ولذلك ذكر الله عز وجل انسلاخ الليل عن النهار فقال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ [يس: ٣٧]، فإذا دارت الأرض سلخت هالة النهار الرقيقة التي كانت متكونة بسبب انعكاسات الأشعة القادمة من الشمس على الجزيئات الموجودة في الهواء، فكأن الأرض كرة حولها غلاف من الهواء، فانعكست أشعة الشمس على هذا الغلاف، فأخذت فجوات في هذا الغلاف فظهر الضوء من خلالها في المكان، قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧].
وهنا يقول عز وجل: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [فاطر: ١٣] أي: يدخل هذا في ذاك، ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [فاطر: ١٣]، فكأن الاثنين معاً، وقال في موضع آخر: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢]، أي: يخلف الليل النهار والنهار الليل، وهذا لا يكون إلا إذا كانت الأرض كروية كما سبق، وسيستمر هذا الوضع إلى أن يأتي أمر الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر: ١٣]، فالشمس تقع على بعد معين من الأرض لا ينقص ولا يزيد.


الصفحة التالية
Icon