تفسير قوله تعالى: (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)
لما نزل الله القرآن قال: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦].
أي: لتنذر من هؤلاء العرب قوماً من الأقوام الذين أنت فيهم، وتنذر غيرهم، ولكن ابدأ بهؤلاء.
قال تعالى: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦]، إذاً: لم يأت العرب من أنفسهم نذير، ولم يأتهم رسول من عند الله سبحانه، وإنما كان الأنبياء من ذرية أخرى ليسوا من هؤلاء العرب، فهذا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام ليس من العرب، إنما مولده في العراق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ومن أبناء إبراهيم إسحاق وإسماعيل، وقد أخذ إبراهيم وإسماعيل وهو صغير وذهب به إلى مكة ووضعه هناك مع أمه هاجر، وتركه هنالك، وجاءت رفقة من جرهم كانوا عرباً، فتعلم منهم إسماعيل العربية وكان من أفضلهم فيها، فنافسهم فيها وغلبهم فكان إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام أبا هؤلاء العرب الذين جاءوا بعد ذلك، وكان أباً للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو ابن الذبيح إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ومن عهد إسماعيل إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك نبي من العرب، بل كل الأنبياء من ذرية إسحاق؛ لكن النبي الوحيد الذي جاء من العرب هو نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو من ذرية إسماعيل، فلذلك قال الله سبحانه: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ [يس: ٦] أي: ما جاءهم نبي منهم، وإن كانوا قد سمعوا عن الأنبياء الذين جاءوا إلى أممهم بالتواتر، فهم يسمعون عن قوم ثمود، ويسمعون عن قوم عاد، وعن سيدنا نوح وكيف أغرق الله الأرض في عهده لكن لم يكن لهم رسول من أنفسهم، ولذلك امتن الله عليهم وقال: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨].
قوله تعالى: ((لِتُنذِرَ)) أي: تخوفهم من عذاب الله سبحانه وتعالى، وتهددهم بما عند الله من عذاب ومن نقمة على من يشرك بالله ومن يكذب رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
قوله تعالى: ((مَا أُنذِرَ)) تحتمل أن تكون (ما) نافية، يعني: ما جاء نذير لآبائهم، أو موصولة فيكون المعنى: الذي أنذر به آباؤهم من قبل، يعني: من القرون الخالية السابقة، من جاءهم من الأنبياء، فقوم عاد جاءهم هود، وقوم ثمود جاءهم صالح، فتنذرهم أنت كما أنذر السابقون قبل ذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦] أي: غافلون عن عذاب الله سبحانه، لا يستجيبون للأنبياء ولا يهتمون بعذاب ربهم سبحانه وتعالى، فالله عز وجل أرسل محمداً ﷺ ليبشر المؤمنين، وينذر الكافرين.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧].
أي: لقد حق القول من الله سبحانه وتعالى، وتحقق ما قضاه وقدره سبحانه أنه فريق في الجنة وفريق في السعير، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢] فحقت كلمة ربك سبحانه على الذين ظلموا أنهم أصحاب النار، وحق قول رب العالمين: ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧].
ومن كتب الله عز وجل له السعادة آمن ودخل في هذا الدين العظيم، ومن كتب عليه الشقاوة لم ينتفع بشيء.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من السعداء، وألا يجعلنا من الأشقياء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon