ما اشتملت عليه سورة يس
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة يس: بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ١ - ١٠].
سورة يس هي السورة السادسة والثلاثون من كتاب الله سبحانه وتعالى، وهي سورة مكية وقيل: الآية الخامسة والأربعون مدنية.
وآيات هذه السورة بحسب العد الكوفي ثلاث وثمانون آية، وبحسب عد غيرهم اثنان وثمانون آية، والاختلاف في عدد آياتها بسبب الخلاف في (يس) هل هي آية منفصلة أم هي جزء من الآية التي تليها؟ فمن عدها منفصلة يعد آيات السورة ثلاثاً وثمانين آية، ومن يعدها متصلة مع ما بعدها يعد آيات السورة اثنتين وثمانين آية.
وسورة يس فيها من خصائص السور المكية ما هو معروف في قراءتك لهذه السورة، فتجد خصائص السور المكية واضحة في الرد على المشركين، وفي التأكيد على توحيد الله سبحانه، وعلى أمور العقيدة، والإيمان بالبعث والجزاء والحساب والجنة والنار، كذلك إثبات صفات الأنبياء وما يعتبر فيهم، وإثبات قضاء الله سبحانه وقدره، وإثبات علم الله سبحانه وتعالى، والكلام عن الحشر، وشكر الله سبحانه وتعالى والحث على ذلك، ومعجزة هذا القرآن وكيف أن هذا القرآن الحكيم من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وإثبات الجزاء على فعل الخير، والجزاء على فعل الشر مع ذكر الأدلة الكونية من الآفاق ومن أنفس الناس؛ ولذلك سميت هذه السورة بقلب القرآن، وجاء فيها حديث مرفوع إلى النبي ﷺ ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أغراض هذه السورة: فيها التحدي بإعجاز هذا القرآن العظيم، والتحدي بدأ بـ ﴿يس﴾ [يس: ١] وهما حرفان من حروف المعجم اللغوي، يتحدى الله بهما الكفار ويقول: ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] وصف الله سبحانه القرآن بأنه حكيم، ومن أسماء الله الحسنى الحكيم، والقرآن كتاب ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١] فهو كتاب حكيم محكم.
فهو القرآن الذي أنقذ الله عز وجل به العرب من الكفر بالله ومن الشرك من الضلال إلى الإيمان والدخول في دين النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وضرب الله عز وجل في هذه السورة المثل للفريقين: فريق أهل الإيمان وفريق أهل الكفر والطغيان لعلهم يتعظون ولعلهم يتذكرون.
ضرب المثل بالأعم وهم القرون السابقة: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣١ - ٣٢].
كذلك تخلص من ذلك إلى الاستدلال على تقرير البعث وإثباته بالاستقلال مدمجاً في آياته سبحانه من خلال ذلك الامتنان بنعمه سبحانه تبارك وتعالى، ويخرج من إثبات شيء إلى شيء آخر من غير أن تشعر بالخروج ويسمونه بحسن التخلص فتخرج من شيء إلى شيء، وأنت في سياق واحد عظيم جميل، وذهنك لا يذهب عن هذا السياق بل يشدك إليه.
وقد بدأ الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بالقسم بهذا القرآن العظيم، وأنه من جنس الحروف التي تتكلمون بها، فهو قد أعجزكم أن تأتوا بمثله وانتهى بالتذكرة بقضاء الله وقدره، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٨٢ - ٨٣].
هذه السورة ذكرنا أنها سورة مكية نزلت والنبي ﷺ في مكة، وفي ترتيب نزول القرآن تعتبر الحادية والأربعين على ما ذكره جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الجن وقبل سورة الفرقان.