صلاة الرجل في مسجد الحي
من كان بيته بعيداً عن المسجد لا يحزن ولكن يفرح؛ لأن خطواته مكتوبة، ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢].
أما إذا كان بيته قريباً من المسجد فهل يبحث عن مسجد بعيد يذهب إليه حتى تكتب الآثار؟
ﷺ ليس الأمر كذلك، طالما أنك قريب من المسجد فالله عز وجل رحمك بذلك، والذي تفعله هو أن تحضر مبكراً إلى بيت الله سبحانه، وتعوض آثار غيرك بالمكث في بيت الله سبحانه وتعالى، فعندما تسمع الأذان تأتي إلى بيت الله، أو تأتي قبل الأذان بفترة، فهذا يعوض لك وتنال من صلاة الملائكة عليك: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم صل عليه.
وهذا أجر عظيم.
لكن أن يترك الإنسان المسجد الذي بقربه خاصة إذا كان مسجداً على السنة، ويهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقيمون فيه سنة النبي ﷺ فلا معنى أن يترك ذلك وأن يتوجه إلى مسجد بعيد مثلاً وقد لا يكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون فيه بدعة من البدع، بدعوى تكثير الخطى، فقد جاء عن النبي ﷺ النهي عن مثل ذلك، فقد روى الطبراني عن ابن عمر وصححه الشيخ الألباني رحمه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتتبع المساجد)، يعني: لا يقول: أنا أبحث عن أبعد مسجد وأصلي فيه، بل يصلي في المسجد الذي يليه.
وهذه لها حكمة في هذا الدين العظيم، فأهل الحي عندما يصلون في مسجد الحي سيعرف من الذي يواظب على الصلاة؟ أهل التقوى والخير والطاعة الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه وقال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: ١٨]، فإذا كان هؤلاء المهتدون كل واحد ذاهب إلى مسجد، وهم في حي واحد، فلن يتعرف بعضهم على بعض، ولن يستطيع أحد أن يطلب من الآخر شيئاً، ولكن المسجد يجمع الناس، ويؤلف بين قلوب المسلمين، ويعرف المسلم أخاه المسلم، يعرف جاره وقريبه، يعرف من هو مثله مواظب على الصلاة، وتجد محبة عجيبة جداً تجمع قلوب الناس، وخاصة الذين يجتمعون في الصلاة يمشي بعضهم مع بعض، يذكر بعضهم بعضاً، إذا مرض أحدهم عاده الآخر، فيدعو لأخيه، ويسلم عليه، وإذا مات الإنسان فيؤتى به للمسجد، فيقال: فلان الذي كان يصلي معنا صلاة الفجر كل يوم توفي اليوم، فحينها يعرفه الجميع ويصلون عليه، ويمشون في جنازته، ويقفون عند قبره يدعون له.
إذاً: الصلاة قربت ما بين الناس، هذه هي الصلاة التي قال الله عز وجل فيها: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، والتي قال النبي ﷺ فيها للمصلين: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، فهنا إما أن تسوي الصفوف، وإما أن يفارق الله عز وجل بين القلوب والوجوه.
فالصلاة يقف المؤمن فيها بجوار أخيه، لا أحد أفضل من أحد، بل من جاء مبكراً صلى في الصف الأول، ومن جاء متأخراً يصلي حيث وصل به الصف مهما كانت وظيفة هذا الإنسان، فأكرمهم عند الله عز وجل أتقاهم له سبحانه وتعالى، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣].
لذلك أهل العلم أن الإنسان لا ينبغي له أن يتتبع المساجد بدعوى أنه تكتب له الآثار، فمن وجد مسجداً قريباً من بيته فإنه يصلي فيه، وإن قام على سنة النبي ﷺ فليحرص على حضور الصلاة، وأن يحضر مبكراً.
والبعض من الناس بيته قريب لكنه يتعمد التأخر حتى يدخل الإمام في الصلاة، وهذا فوت على نفسه خيراً كثيراًَ بتفويته لتكبيرة الإحرام، مع أن ربنا رحمه وجعله قريباً من بيته سبحانه وتعالى حتى يحرص على الصلاة، لكنه يضيع على نفسه ذلك، ولعل البعض في الشارع يتكلم ويسمع الإمام يصلي وهو يكمل كلامه في الشارع، ويضيع على نفسه صلاة الجماعة، أو تكبيرة الإحرام، فاحرصوا على حضور تكبيرة الإحرام، ولا تضيعوا على نفسكم هذا الفضل العظيم من الله، ليكون لأحدكم براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق.


الصفحة التالية
Icon