تفسير قوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين)
قال الله تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٣] أي: تعجب لأمر هؤلاء، فالمنذر الرسول ينذر قومه عليه الصلاة والسلام، والمنذر: الواحد من القوم، والعاقبة: النهاية وآخر الأمر، ومنه عقب الإنسان: ما يكون خلفه أو تحته، فانظر إلى نهاية هؤلاء كيف استحقوا عقوبة رب العالمين بالإهلاك في الدنيا والإغراق، ثم بالإحراق في النار يوم القيامة.
قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٣]، وإذا وقف على هذه الكلمة وغيرها من الكلمات التي هي على جمع المذكر السالم وما ألحق به يقف عليها يعقوب بخلفه بهاء السكت فيقول: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَه * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينه﴾ [الصافات: ٣٩ - ٤٠].
وهنا استثناء يستثني الله عز وجل عباده المخلصين، وهؤلاء ليس عاقبتهم عاقبة سيئة، وهذه الكلمة فيها قراءتان في القرآن كله ﴿الْمُخْلَصِين﴾ [الصافات: ٤٠] و (الْمُخْلِصِين)، يقرؤها على اسم المفعول المدنيان نافع وأبو جعفر، والكوفيون: عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وباقي القراء يقرءونها على اسم الفاعل: ﴿الْمُخْلِصِين﴾ [الصافات: ٤٠] والمعنى قريب، مخلصين: اجتباهم الله واختارهم، واصطفاهم هؤلاء المخلَصون، واختارهم الله عز وجل لكونهم في قلوبهم الإخلاص فهم المخلِصُون: أخلصوا العبادة لله ووحده سبحانه وتعالى ولم يشركوا به شيئاً، ولم يوجهوا العبادة والطاعة لغيره سبحانه فهم مخلِصون لله فاستخلصهم الله وانتقاهم من الخلق وجعلهم أحباءه وأهل جنته سبحانه وتعالى.
وهذه السورة كما ذكرنا من السور المكية التي تؤكد معاني التوحيد، وفيها تفصيل قواعد العقيدة في قلب الإنسان، وذكر الله سبحانه وتعالى هنا توحيده والأمر به، وحذر من شرك المشركين وكيف أنهم ضلوا وأضلوا واستحقوا العقوبة والنار، ثم ذكر رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وأن دعوتهم هي دعوة التوحيد يدعون إلى عبادة الله سبحانه، فالنبي ﷺ ليس بدعاً من الرسل، وليس شيئاً جديداً حادثاً، ولكن كل الرسل قبله عليه الصلاة والسلام دعوا أقوامهم إلى توحيد ربهم سبحانه.


الصفحة التالية
Icon