تفسير قوله تعالى: (فأقبلوا إليه يزفون)
قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات: ٩٤]، ذكر الله سبحانه أنه كسر هذه الأصنام بيمينه وبقوته وقدرته التي أعطاه الله سبحانه إياها، قال تعالى: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٩٣]، فأقبل القوم، ﴿إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾، وفي سورة الأنبياء ذكر الله عز وجل: ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٨]، ولما رجعوا ونظروا إلى ذلك: ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٩]، وكأن إبراهيم قد تكلم قبل ذلك حين أقسم بالله سبحانه فأسمع بعضاً من القوم فقال: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٧].
فسمع البعض ذلك، وكأنهم في ذلك الوقت لم ينتبهوا ما الذي يقصده إبراهيم بذلك، فلما رجعوا وجدوا الأصنام قد كسرت، ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٩]، قال هؤلاء الذين سمعوه: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ [الأنبياء: ٦٠ - ٦١] أي: أمام الناس حتى يشهدوا عليه بما صنع.
وقوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾، هذه قراءة الجمهور، والقراءة الأخرى (إِلَيْهِ يُزِفُّونَ) قراءة حمزة، يزفه أي: يجري متعجلاً إلى المكان في شيء من الإسراع والتوجه إلى هذا المكان، فقالوا: ﴿يَزِفُّونَ﴾، أي: يمشون مشياً سريعاً، ويتحركون حركة بخفة في الجري فيها تقارب الخطا، فهم يندفعون ويسرعون ويدفع بعضهم بعضاً حتى يقبلوا على إبراهيم وينظروا ما الذي صنع!