تفسير قوله تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)
بدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بقوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١] أي: هذا تنزيل الكتاب، أو تنزيل هذا القرآن من عند الله سبحانه العزيز الحكيم، وكلمة تنزيل مصدر نزل تنزيلاً، فنزل القرآن من عند الله، والنزول: الهبوط من أعلى إلى أسفل، فالقرآن نزل وجاء من فوق، فالله عز وجل نزل أحسن الحديث، وهذا دليل من الأدلة الكثيرة على علو الله سبحانه وتعالى وأنه فوق سمواته.
نزل هذا القرآن كله في ليلة القدر كما قال الله سبحانه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١]، نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله وتعالى عنهما ثم نزل على النبي ﷺ بعد ذلك من وقت أن نزل عليه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] إلى أن نزل آخر هذا القرآن العظيم، فنزل نجوماً على النبي صلى الله عليه وسلم، أي: مقطعاً؛ يعني: سوراً سوراً أو آيات تنزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا القرآن نزل من السماء من عند الله، (تنزيل الكتاب)، هذه اللام هنا: للعهد، يعني: هذا الكتاب المعهود الذي تعرفونه من الله الإله الذي يستحق أن يعبد، نزل عليكم هذا القرآن، وفيه إشارة إلى أن القرآن نزل لتعبدوا الله سبحانه وتعالى العزيز الحكيم.
(الله): لفظ الجلالة ومعناه: المعبود سبحانه، العزيز بمعنى: الغالب القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب، الذي إذا قضى شيئاً لابد أن يكون كما أراد سبحانه وتعالى، وهو الحكيم في أقواله.
والحكيم في أفعاله، والحكيم لها معان كما ذكرنا قبل ذلك، فالحكيم: الذي له الحكمة، والحكيم: الذي له الحكم، والحكيم: الذي يحكم الأشياء ويتقنها في صنعتها سبحانه وتعالى، فهنا الله الحكيم سبحانه وتعالى الذي لا يخرج شيء عن علمه وعن حكمته، كل شيء يدور في هذا الكون ويوجد فيه بحكمة من الله علمها من علمها وجهلها من جهلها، وليس بالضرورة أن يعلم كل إنسان الحكمة في كل أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، ولكن يستيقن المؤمن أن كل شيء يجري بحكمته سبحانه وتعالى.
إذاً: الله عز وجل الحكيم الذي له الحكمة سبحانه وتعالى، وكل شيء له عند الله عز وجل حكم معينة يعلمها سبحانه، وخلق هذا الشيء من أجلهم.
والحكيم مأخوذ أيضاً: من الحكم يعني: الذي له الحكم والذي له الأمر، يأمر فلا بد أن يطاع سبحانه وتعالى، إذاً: الحكيم بمعنى: الحاكم أيضاً: الذي له الحكم يحكم بما يريد.
والحكيم أيضاً: يأتي بمعنى: المحكم، ومحكم بمعنى: متقن، يعني: الذي أتقن كل شيء خلقه سبحانه، وكل خلق من خلق الله عز وجل ينظر إليه الإنسان فيرى من الله سبحانه وتعالى إتقاناً في صنعه لهذا الشيء، في الإنسان في الحيوان في السماء في الجماد في النبات، في كل شيء فيه بديع خلق الله سبحانه، وفيه إتقان هذا الصنع منه سبحانه، فهو المحكم سبحانه وتعالى.
والمحكم أيضاً: المدبر للأمر فيكون على ما أراده سبحانه وتعالى، ولا يخرج شيء عن إرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى.
إذاً: يحكم الشيء فلا يدخل في إحكامه فساد ولا خلل ولا زلل في خلقه سبحانه وتعالى، فعبر بهذه اللفظة الواحدة الحكيم عن كل هذه المعاني التي ذكرناها، إذاً: نزل القرآن من عند الله الذي هو إله يستحق وحده العبادة الذي هو العزيز الغالب، وإذا علمت أنه العزيز سبحانه فما الذي يدفعك إذا كان ربك سبحانه أنزل القرآن ألا تهتم لأمره، ولا تستجيب له؟ هو الحكيم سبحانه الذي له الحكمة البالغة، ويكرر: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢] إنا: هنا عبر بنون العظمة، فالقرآن العظيم نزل من عند رب العالمين، والله تكلم بهذا القرآن، والله أنزل هذا القرآن، فقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [الزمر: ٢] إلى النبي ليس على غيره وإنما عليه صلوات الله وسلامه عليه جاء هذا القرآن العظيم، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢] إذاً: النزول من السماء حقاً، لا يأتي من مكان آخر غير السماء، ونزل متلبساً بالحق، وفي هذا القرآن الحق، فيه الشريعة العظيمة التي يحق الله عز وجل بها الحق ويبطل بها الباطل، وإذا نزل القرآن بالحق فاتبع هذا القرآن، قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] اعبد ربك ولا تشرك به أحداً، وجه وجهك وأخلص قلبك، وامش على صراط الله سبحانه، وأخلص له دينك.
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.