تفسير قوله سبحانه: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين)
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢]، فعبر بنون العظمة هنا، فالكتاب عظيم، والله عظيم سبحانه، وهو الذي أنزل هذا القرآن وتكلم به سبحانه وتعالى، وأمر عباده أن يحفظوه، وأن يعملوا بمقتضاه، وأن يعملوا بما شرعه الله عز وجل فيه.
قال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [الزمر: ٢] أي: إلى النبي ﷺ وليس إلى غيره.
وقوله تعالى: ﴿الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢]، هذه قراءة الجمهور، وقرئت بالإدغام: ((الْكِتَاب بِّالْحَقِّ))، قرأها أبو عمرو بخلفه، ويعقوب أيضاً بخلفه.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢] أي: نزل فيه الحق، متلبساً بالحق، نزل حقاً من السماء على النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وذكرنا قبل ذلك أن الله عز وجل أنزله في ليلة القدر، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١]، قال ابن عباس: نزل من عند الله عز وجل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم نزل على النبي ﷺ بعد ذلك في خلال دعوته صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢]، فأمر النبي ﷺ بأن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يخلص له الدين، وإخلاص الشيء بمعنى: تنقية الشيء، تقول: خلصت الماء من الشوائب، وأخلصت العسل من الشوائب.
إذاً: أخلص الدين لله معناه: خلص الدين ونقاه فجعله له وحده، فلا يكون في هذا الدين شائبة شرك، ولا يكون فيه كدرات الكفر والبعد عن الله سبحانه، والله أغنى الأغنياء عن الشرك سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي غيري تركته وشركه)، والذي يعمل عملاً لله ولغير الله يتوجب العمل للاثنين، يقول: هذا لله ولفلان، فالله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك، لا يريد هذا العمل ويرده على صاحبه، فيذهب به صاحبه إلى هذا الشريك فيأخذ منه الثواب إن كان يقدر على ذلك! فالعمل لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله غيره سبحانه في الدعاء وفي جميع عباداته.
إذاً: العبد يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وحده، فلا يصح أن يقول: هذه لله ولسيدي فلان، لا يكون النذر إلا عبادة، ولا تكون العبادة إلا لله وحده لا شريك له.
ففي هذه الآية أمر من الله لسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه بأن يخلص لله، وهو الذي لا يشرك بالله صلوات الله وسلامه عليه، فكأن الأمر له وللمسلمين جميعاً، فأنت يا محمد عليه الصلاة والسلام مأمور أن تعبد الله ومنهي أن تشرك بالله سبحانه، وهو لا يفعل ذلك ولا يقع في الشرك.
فكأن الخطاب لغيره عليه الصلاة والسلام، أن اقتدوا بالنبي ﷺ فيما أمرناه وفيما اجتنبه صلوات الله وسلامه عليه.
فقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] أي: بكل أنواع العبادات، تقرب إلى الله عز وجل وأنت مخلص لله لا تشرك به أحداً سبحانه وتعالى.