تفسير قوله تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: ٥ - ٦].
يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات قوته وقدرته على الخلق سبحانه تبارك وتعالى، وينبهنا أن ننظر في هذا الكون في خلق السماوات وخلق الأرض، وجاء في القرآن تكرار ذكر خلق السماوات وخلق الأرض، وفي ذلك آيات لأولي الألباب، وفي ذلك آيات لقوم يتفكرون، فقال الله سبحانه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
فهؤلاء هم أولو الألباب الذين يتفكرون في هذا الخلق العظيم فيتعظون ويعتبرون، ويعرفون قدرة الخالق سبحانه، فيعبدونه وحده لا شريك له، ولذلك لما نزلت هذه الآيات من آخر سورة آل عمران قال النبي ﷺ لأصحابه: (لقد أنزلت علي هذه الليلة آيات ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها!)، فكأن المؤمن مأمور بالتفكر، إذا قام من نومه تفكر في خلق السماوات والأرض، وفي الليل والنهار، وفي العبرة في الإماتة والإحياء، فالنوم أخو الموت، فهو الموتة الصغرى، فإذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، فإليه البعث وإليه المصير، والعود والمرجع إليه سبحانه تبارك وتعالى، وقد كان النبي ﷺ إذا استيقظ من الليل قرأ العشر الآيات الأخيرة من سورة آل عمران وهذه أولها: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠].