قدرة الله عز وجل
قال الله: ﴿أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [الزمر: ٥] ختم سبحانه تبارك وتعالى الآية ببيان قدرته سبحانه، فهو عزيز قادر قاهر غالب لا يمانع، إذا أمر الشمس تسير الشمس حيث أمر الله سبحانه، والقمر يدور كما أمر الله سبحانه، والأرض كذلك، وعلى الإنسان حين يقول له ربه: افعل كذا ألا يمانع ربه سبحانه، بل عليه أن يطيع ربه حين أراه الله آياته، ولا يخرج عن طاعته.
والله سبحانه قادر على أن يسخر هذا الإنسان كما سخر الشمس والقمر، ولكن الله جعل في هذا الإنسان إرادتين، جعل إرادة منه سبحانه في هذا الإنسان كونية قدرية يستحيل أن يتعداها الإنسان، كن فيكون، فالله سبحانه أراد أن يوجد في الوقت الفلاني فخلق هذا الإنسان في هذا الوقت، أراد الله له أن يموت في الوقت الفلاني فمستحيل أن يتأخر أو يتقدم عن وقت وفاته ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤]، وإذا أراد الله عز وجل لهذا الإنسان أن يمرض في الوقت الفلاني فلابد أن يكون.
وجعل الله لهذا الإنسان مشيئة يختار في أشياء، والله أعلم ما الذي يختاره هذا الإنسان، والله أعلم هل هذا الإنسان يستحق الجنة أو يستحق النار.
والمشيئة الشرعية تدخل تحت ما يحبه الله سبحانه، فالله يحب منكم كذا فافعلوه، يحب منكم أن تحسنوا فأحسنوا، يحب منكم أن تطيعوا فأطيعوا، يحب منكم أن تصلوا فصلوا، فهذه مشيئة شرعية من الله سبحانه.
وجعل للعبد الاختيار هنا: اختر أن تصلي أو لا تصلي، والإنسان يجد في نفسه القدرة على أن يصلي، فيقوم بهذا العمل فيعمله أو يتركه فلا يعمله، وعلى هذه المشيئة يحاسب الله عز وجل العبد، فلو شاء الله لجعلها مشيئة كونية قدرية فيصلي العبد رغماً عنه، ولكن الله جعل لك اختياراً، فأنت حين تقوم تجد أنك ممكن أن تقوم وممكن أن تقعد، فجعل الله لك اختياراً وكسباً، وهو يحاسبك على هذا الاختيار وعلى هذا الكسب، وأنت لن تخرج عما قدره الله وعما علمه الله عز وجل منك.
وقد أخبرنا الله أنه سخر الشمس والقمر إشارة لنا إلى الأشياء التي هي أعظم منا ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾ [النازعات: ٢٧]، فإذا علمت أن خلقك ضعيف، ولست قدر هذه السماء في خلقها، ولا قدر هذه الأرض في قوتها، ولا قدر هذه الجبال في شموخها وارتفاعها، بل أنت إنسان ضعيف؛ فاعبد ربك كما عبدته هذه المخلوقات.
ولما ذكر الله ما يدل على القوة والبطش والشدة ذكر ما يدل على الرحمة منه سبحانه فقال: ﴿أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [الزمر: ٥]، فالله الغفار والغفور وغافر الذنب سبحانه تبارك وتعالى، وهذه من أسمائه الحسنى سبحانه، وأصل الغفر التغطية والستر والمحو، فالله يغفر أي يستر ذنبك، والله يكفر السيئات، ويمحو هذه السيئات، فالله عز وجل ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ [غافر: ٣] أي يستر على العبد ذنبه، فإن تاب محاه الله سبحانه.


الصفحة التالية
Icon