معنى قوله تعالى: (فأنى تصرفون)
قال سبحانه: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: ٦] أي: الله الرب الذي له الملك الذي لا إله إلا هو، تأكيد على معاني العقيدة.
يبين الله تعالى الخلق ويبين القدرة ثم يذكر الذي فعل ذلك وهو الرب سبحانه وتعالى، الذي لا معبود حق سواه، فكيف تنصرفون عن توحيده؟ وكيف تشركون به؟ وقوله تعالى: ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ يقال: يصرف الإنسان بمعنى: ينصرف، و (أنى) بمعنى: كيف.
أي: عجباً لكم أين ذهبت عقولكم حتى ذهبتم وانصرفتم عن عبادته، وعن توحيده إلى أن تشركوا به سبحانه تبارك وتعالى!! قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [الزمر: ٦] (الله) المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وحده، أي: ذلكم الخالق العظيم هو الله سبحانه له الملك.
وقوله: (ربكم) الرب: الذي خلق وأوجد وأنعم وربى، الذي أعطى للإنسان ما جعله إنساناً.
وقد كان أهل الجاهلية لا يشركون في الربوبية، ولم يزعموا أن أحداً غير الله يخلق، أو أن أحداً غير الله يرزق، ويعتقدون أن من يفعل كل ذلك هو الرب جل وعلا.
لكن لو قيل لهم: من تعبدون؟ قالوا: نعبد الأصنام؛ لتقربنا إلى هذا الرب.
إذاً: أهل الجاهلية لم يكونوا يشركون في الربوبية، لكن حين يتوجهون بالعبادة يعبدون غير الله زاعمين أن هذه العبادة أفضل.
فالشيطان خدعهم وزين لهم أن يعبدوا غير الله بدعوى أنكم أحقر من أن تعبدوا الله مباشرة، لن اجعلوا واسطة بينكم وبين الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾ [الزمر: ٦] فالرب هو الذي خلق كل شيء، والذي يملك كل شيء، له الملك وله ملكوت كل شيء، فهو المالك، ويحكم فهو الملك سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [الزمر: ٦] (لا إله): أي: لا معبود حق (إلا هو) إلا الله، فهذه دعوة النبي ﷺ ودعوة الأنبياء من قبله أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩].
وقال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٦٥].
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٧٣].
فالأنبياء كلهم يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولذلك لما أدرك فرعون الغرق ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠].
يقول الله سبحانه: ((فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)) [الزمر: ٦] أي: كيف تنصرفون عن عبادته وعن طاعته سبحانه وتعالى إلى عبادة غير الله.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الصفحة التالية
Icon