تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨].
يذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية من آخر سورة الزمر بعض ما يكون يوم القيامة من أحداث، حتى يخيف من يعصونه سبحانه وتعالى ولا يؤمنون به، وينذرهم حتى يراجعوا أنفسهم، ويعملوا لله سبحانه، ويدخلوا في الإيمان، وحتى يطمئن المؤمنون أنهم إلى ربهم راجعون، وأن يوم القيامة يوم يحق الله فيه الحق سبحانه وتعالى.
قد يأخذ الإنسان حقه وحظه في الدنيا وقد لا يكون ذلك، ولكن في الآخرة، الله سبحانه يحق الحق، ويقضي بين الناس بالحق يوم القيامة، يوم يفصل الله بين العباد يوم الجزاء، والدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، وهذه عقيدة المؤمن في اليوم الآخر.
فالله سبحانه يوم القيامة يقبض السماوات والأرضين، ويقول سبحانه: أنا الملك، أين ملوك الأرض، والله سبحانه وتعالى يدخل من يشاء برحمته في جنته، ويعذب من يشاء بعذابه في ناره.
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ وهما نفختان، والذي ينفخ في الصور ملك من ملائكة الله عز وجل الكرام الموكلين بذلك، وهو من أعظم ملائكة الله سبحانه وتعالى، وأعظم ملائكة الله وأقربهم إلى ربه سبحانه وتعالى: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، هؤلاء أعظم ملائكة الله سبحانه وتعالى.
ملك الموت: يقبض الأرواح.
وإسرافيل: ينفخ في الصور نفخة الموت، ونفخة البعث: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾.
وميكائيل: وكله الله سبحانه وتعالى بالمطر، وبأرزاق العباد.
وجبريل: رسول رب العالمين إلى رسل الله عليهم الصلاة والسلام في الأرض.
هؤلاء أعظم ملائكة الله سبحانه وتعالى، والجميع يقبضون يوم القيامة حين يأمر الله سبحانه وتعالى.
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨] كما قدمنا قبل ذلك أن إسرافيل خلقه الله سبحانه ووكله بالنفخ على الصور، والصور: هو بوق ينفخ فيه، فإذا أمره الله سبحانه وتعالى نفخ، فمات من في السماوات ومن في الأرض إلا من استثناهم الله سبحانه.
ويبقى ملك الموت، ويبقى إسرافيل، ويبقى ميكائيل، ويبقى جبريل، ثم يأمر الله عز وجل أن يموتوا فيموتون هم أيضاً، ويبقى ملك الملوك سبحانه وتعالى، ثم يقبض السماوات والأرض، قال سبحانه: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]، وقال سبحانه: ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: ٦٧].
وهنا ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ﴾ أي: مات من في السماوات ومن في الأرض إلا من استثناهم الله، ثم يميت من بقي بعد ذلك كما يشاء سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾ أي: يأمر الله إسرافيل بعدما يحييه الله سبحانه وتعالى أن ينفخ نفخة الإحياء، النفخة الثانية، فإذا بالخلق قيام ينظرون إلى ما حولهم متعجبين! الكفار يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].
والمؤمنون يقومون من قبورهم مستبشرين فرحين؛ لأنهم راجعون إلى ربهم سبحانه وتعالى.
وهنا يقول: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾ وقبل ذلك أحداث، منها: ما ذكر النبي ﷺ في حديثه: أن الله عز وجل ينزل مطراً من السماء كأنه الطل، هذا المطر ينبت منه بنو آدم، يرجعون وتركب الأجساد كما كانت، وتعاد مرة ثانية بعدما كانوا رفاتاً وتراباً.
ينزل هذا المطر فينبتون كما ينبت النبات، ويأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفخ فيها الروح، فتنفخ الروح في هذه الأجساد التي أعاد الله سبحانه وتعالى خلقها مرة ثانية، فقاموا وهم ينظرون بأبصارهم حولهم، وينظرون من النظرة بمعنى الانتظار، فهم منتظرون ماذا سيكون في هذا اليوم.


الصفحة التالية
Icon