تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً)
قال الله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١] السياق إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وبدأ بذكر الكفار هنا: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ الكفار يوم القيامة أول ما يجدون من الحسرات عند خروجهم من قبورهم، فهم يجدون أمامهم يوماً عصيباً، فقالوا: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] من ساعة ما يقومون من قبورهم وهم في فزع، وفي ضنك، وفي خوف، وفي شدة، فهم في ذلك الموقف العظيم بين يدي الله سبحانه، يجدون من شدة الموقف ما جعلهم يقولون: يا رب اصرفنا ولو إلى النار.
وإذا جاء الحساب والقضاء يقول الله سبحانه: ألا يحب من كان يعبد شيئاً أن يتبعه؟ فيقولون: بلى، فمن كان يعبد الشمس تمثل له الشمس ويتبعها إلى النار، ومن كان يعبد القمر يمثل له القمر ويتبعه إلى النار، الأتباع يذهبون إلى النار، فإذا رأوها فزعوا من منظر هذه النار، فإذا بالملائكة تأخذهم، وتدفعهم إلى النار، وسيقوا إلى النار، وفرق بين سوق الكفار والعصاة، وبين سوق المؤمنين والأبرار، هؤلاء يساقون إلى النار، وهؤلاء يساقون إلى الجنة.
يساق ويدفع الكافر وهو مفزوع من النار ولا يريد أن يدخل النار، فيدفع من قفاه، ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٦].
أما المؤمنون فيكرمهم الله سبحانه وتعالى، فهم بعد أن يمروا على الصراط، وبعد أن يتقاضوا فيما كان بينهم من مظالم في الدنيا، استحقوا الآن أن يدخلوا الجنة، والله عز وجل يجعل الملائكة تدلهم: هذا طريقكم، ادخلوا من هنا إلى الجنة، والمؤمنون يشرفهم الله ويكرمهم سبحانه بأن يجعلهم يركبون مراتب، ويساقون بهذه المراتب إلى الجنة، ويقال لهم: ادخلوا الجنة، وينادون من أبواب الجنة.
إذاً: هناك فرق بين من يساق فيدفع من قفاه، ومن يساق فيحمل حملاً ليدخل الجنة، فرق عظيم بين الاثنين، إذا عرف المؤمن وأيقن من ذلك عمل له.
قوله: ((زُمَرًا)) أي: جماعات جماعات، ليس كلهم مرة واحدة، لا، ولكن يؤخذ هؤلاء فيدخلون النار، والآخرون وراءهم إلى النار، جماعات متفرقة بعضها إثر بعض إلى النار.
ثم قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ أي: إذا وصلوا إلى النار، وهم في فزع وفي صراخ وضجيج؛ خوفاً من النار.
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ هذه فيها إمالة في القراءة لـ هشام بخلفه وابن ذكوان ولـ حمزة والكسائي فيميلونها وكل يمد بحسب مده.
ثم قال: ((فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)) يقرؤها الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائي وخلف: ((فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)) وباقي القراء يقرءونها: ((حتى إذا جاءوها فتَّحت أبوابها)) أي: إذا وصلوا إلى النار فتحت لهم النار، وإذا وصل الفوج الآخر فتحت لهم، ويدفعون فيها، وتغلق عليهم والعياذ بالله، هذا السياق التصويري لما يحدث يوم القيامة، ((إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)).
ثم قال: ((وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا)) مقرعين لهم وموبخين ومبكتين لهم: ((أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ)) أليس ربنا أعذر إليكم وأرسل إليكم رسلاً يتلون عليكم ما نزل عليكم من كتب من السماء من عند رب العالمين؟! ويقولون لهم: ((وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ)) أي: يخوفونكم من هذا اليوم، فما هو الجواب من الكفار ومن أهل النار؟ قالوا: اعترفنا فقد جاءتنا رسل، ونزلت علينا كتب من السماء وعرفنا ذلك، وليس لنا عذر، ولكن يحتجون بالقدر، وهذا لا ينفعهم؛ لأنهم في الدنيا لم يؤمنوا بقضاء ولا بقدر، وإنما كذبوا باليوم الآخر وبالجزاء والحساب، فكيف يوم القيامة يحتجون بالقدر؟! يقولون: ((وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)) أي: ربنا أراد شيئاً، فكان ما أراده الله سبحانه وتعالى، ((حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ)) أي: تحقق ما قاله الله سبحانه في كتابه: ﴿لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩].
فهنا حقت بمعنى وجبت كلمة العذاب، يعني: ما قاله ربنا لا بد أن يكون، فكان أن دخلنا النار.


الصفحة التالية
Icon