القصاص في الآخرة
جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار).
فقوله: (يخلص المؤمنون من النار) يعني: بالمرور على الصراط، وهذا قول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] أي: لابد أن يمر الجميع فوق الصراط، فمنهم من يمر كطرف العين، ومنهم من يمر كالبرق، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هكذا، ومنهم من يمر كلمح البرق، وكلمح الطرف والبصر، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يجري كأسرع الناس، ومنهم من يمشي، ومنهم من يمشي مرة ويكبو مرة وتلسعه النار أخرى، حتى يمروا من فوقه، وهذا هو معنى قول النبي ﷺ في هذا الحديث.
قوله: (فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار) أي: بعد أن يخلص المؤمنون من النار، ويمروا على الصراط يحبسون على قنطرة قبل أن يصلوا إلى الجنة.
قال: (فيقص لبعضهم البعض) أي: لابد من القصاص بين الخلق حتى ولو خرجوا من النار أو اجتازوا الصراط، بل لابد من الوقوف على القنطرة؛ ليحصل القصاص بينهم في ذاك المكان.
قال: (مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة) ولذلك فعلى المؤمن ألا يستهين بمعصية أبداً، ولا يستهين بمظلمة يظلمها أحداً أبداً، ولا يقول: أعمالي الصالحة كثيرة، أو أنا أعمل خيراً كثيراً، فإن ذلك لن ينفعه، حتى ولو كان من أهل الجنة؛ لأنه سيحبس عن الجنة حتى يقتص منه، وقد يكون الحبس يوماً أو أقل أو أكثر، فإن حبس نصف يوم عن الجنة فهو: خمسمائة عام، ومن حبس يوماً عن الجنة، فهو ألف سنة مما تعدون، وهذا شيء فظيع وطويل جداً! فلذلك على المؤمن أن يسارع ويعطي الحقوق لأصحابها، وألا يظلم أحداً، حتى يكون ممن يسرع بهم إلى الجنة.
ويحكي النبي ﷺ حال المؤمنين حين يدخلون الجنة فيقول: (فوالذي نفس محمد بيده! لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا!) فالجنة واسعة وعظيمة جداً، وعندما ينزل المرء في الدنيا إلى بلد لا يعرف فيها أحداً، فإنه يحتاج لدليل يدله على المكان، والجنة واسعة جداً، وهناك الملايين من البشر الذين يدخلون هذه الجنة العظيمة، فكيف سيعرف الإنسان منزله؟ وهل يحتاج إلى دليل يدله على منزله؟
ﷺ لا، فإنك كما تعرف بيتك في الدنيا فإنك تعرف بيتك في الجنة أكثر مما كنت تعرف بيتك الذي في الدنيا.