سورة غافر نزولها وعدد آياتها
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة غافر: ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ﴾ [غافر: ١ - ٤].
هذه السورة هي الستون من كتاب الله عز وجل وهي سورة غافر، وهي سورة من السور المكية التي يقرر الله عز وجل لعباده فيها منهج حياتهم: أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى، وأن يؤمنوا بالبعث بعد الموت، وأن الله عز وجل سيجزيهم يوم القيامة إما الجنة وإما النار، ويذكر الله عز وجل فيها لنا دعوة الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فيقص علينا قصة موسى، وقصة مؤمن آل فرعون الذي آمن وابتلي في الله سبحانه وتعالى، ولذلك هذه السورة تسمى بسورة غافر، وتسمى بسورة المؤمن، أي: مؤمن آل فرعون الذي ذكره الله عز وجل في هذه السورة بقوله: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: ٢٨].
وهذه السورة عدد آياتها بحسب العد البصري ثلاث وثمانون آية، وبحسب العد الحجازي والحمصي أربع وثمانون آية، وبحسب العد الكوفي خمس وثمانون آية، وبحسب العد الدمشقي ست وثمانون آية، وكما ذكرنا قبل ذلك أن هذا العد ليس زيادة في الآيات، ولكن بحسب الوقوف، فالوقف على رأس كل آية يسمى فاصلة، أي: تفصل الآية عما بعدها بالوقف، وسبب الاختلاف هو وقف النبي ﷺ في قراءته، فإذا وقف النبي ﷺ على موضع فيحسب آية، فهنا يقال: هذه فاصلة، وقد وقف النبي ﷺ على آيات، وأحياناً وقف على آيات أخرى، فأخذوا منه أن الآية هذه نهايتها حيث وقف النبي صلوات الله وسلامه عليه، ووقع الخلاف في تسعة مواضع في هذه السورة وهي في نفس الآية، فاختلفوا في عد (حم) آية منفصلة وحدها، فالكوفيون يعدون (حم) رأس آية، وليست برأس آية كما يعدها الباقون، بل يجعلونها هي وما بعدها آية واحدة: ﴿حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر: ١] فبحسب عد غير الكوفيين تكون آية واحدة.
كذلك الكوفيون عدوا (حم) وتركوا ﴿كَاظِمِينَ﴾ [غافر: ١٨] ولم يقفوا عليها، وغيرهم وقفوا على كلمة (كاظمين).
وقوله: ﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ [غافر: ١٥] وقف عليها الجمهور وتركها الدمشقي ابن عامر في عده، وعد مكانها (بَارِزُونَ).
وكلمة: ((إِسْرَائِيلَ)) و ((الْكِتَابُ)) مواضع وقف لغير المدني الأخير وغير البصري.
وكلمة: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [غافر: ٥٨] وقف عليها الدمشقي ابن عامر والمدني الأخير.
وكلمة: ((يُسَبِّحُونَ)) يقف عليها الكوفي والمدني الأخير أيضاً دون غيرهما.
وكلمة: ((فِي الْحَمِيمِ)) يقف عليها المكي والمدني الأول.
وكلمة: ((كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ)) يقف عليها الكوفيون والدمشقي.
فهنا كأنها آيات فواصل تفصل الآية عن التي تليها بالوقف، فإذا وقف النبي ﷺ هنا عدت آية، وإذا وصل هذه وما بعدها عدت هذه مع هذه آية، وهي نفس السورة ونفس الكلمات.
فالوقف عند رأس كل آية تسمى فاصلة، والقراء يقولون: هذا عد فواصل الآيات، ويقولون: هذه فاصلة، وهذه مشبهة بالفاصلة، أي: تشبه الفاصلة، أي: موضع مثل غيره من الوقوف، ولكن لم يقف عليه النبي ﷺ ولم يعدها آية، فلم يعدها القراء آية، مثل قوله سبحانه: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ [غافر: ٣] يقولون: هذه مشبه بالفاصلة، أي: يشبه الفاصلة، وقوله: ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: ١٤] هذا وقف وليس برأس آية.
وهذه السورة سورة مكية كما ذكرنا، وبعض أهل العلم قالوا: إلا آية أو آيتين، فـ الحسن البصري يقول: هي سورة مكية إلا ما ذكر الله عز وجل فيها من التسبيح: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ [غافر: ٥٥] قال: هذه مدنية، قال: لأن المقصود بالتسبيح هنا الصلاة، والصلاة لم تفرض على هيئتها إلا في المدينة، وهذا القول ضعيف، والصواب: أن الصلاة فرضت على هيئتها في مكة بعد قصة الإسراء والمعراج، فقد نزل النبي ﷺ من السماء وفرضت عليه الخمس الصلوات وهو في مكة، فصلى الخمس الصلوات عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك هاجر إلى المدينة، والذي كان فرضه في المدينة هو الأذان؛ فإنه لم يكن هناك أذان بمكة، وإنما شرع الأذان بالمدينة بقصة مذكورة في أبواب الأذان.
فالصواب أن قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ [غافر: ٥٥] مكية كغيرها.
وأيضاً استثنوا قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ [غافر: ٥٦] الآية، وقد تكرر الجدل مرتين أو خمس مرات في هذه السورة، فقال البعض: المقصود به اليهود، ومكة لم يكن فيها يهود، والصواب: أن الذين جادلهم هم المشركون، فإنهم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الآية أيضاً آية مكية، فالسورة فيها خصائص السور المكية كما سبق.